تشهد السلطة الانتقالية السورية الجديدة تسللاً هادئاً لعناصر مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، ليس من خلال التنظيم نفسه الذي يواجه رفضاً رسمياً من الرئيس أحمد الشرع، وإنما عبر “أبناء الإخوان” – وهم أبناء القيادات التاريخية للجماعة الذين نشأوا في المنفى بعد أحداث الثمانينيات.
إبراهيم علبي: نموذج الاختراق من أعلى المناصب
يُعتبر تعيين إبراهيم عبد الملك علبي مندوباً دائماً لسوريا في الأمم المتحدة أبرز الأمثلة على هذا التسلل الهادئ.
فالعلبي، المولود في الرياض ويحمل الجنسيتين البريطانية والألمانية، هو ابن عبد الملك علبي، الذي كان أحد القيادات البارزة في مجلس شورى تنظيم الإخوان المسلمين.
وكشفت مصادر سورية مطلعة أن تعيين العلبي جاء بدفع من جوناثان باول، مستشار الأمن القومي البريطاني، الذي زار دمشق والتقى القيادة السورية في الخامس من أغسطس الماضي.
وأضافت المصادر أن العلبي، الذي لم يكن له أي حضور أو وجود في سوريا طيلة حياته، مارس عمله ونشاطه في بريطانيا.
استراتيجية التسلل الهادئ
تشير التطورات إلى أن كوادر الإخوان المسلمين يتسللون إلى المناصب الرسمية بهدوء عبر أبناء القيادات التاريخية للتنظيم، وغالباً بدعم خارجي، تركي وبريطاني في معظم الأحيان.
ووفقاً للمصادر المطلعة، فإن وجود الإخوان اليوم يقتصر غالباً على المواقع والمناصب في المستوى المتوسط، خاصة في وزارة الخارجية.
يُقصد بمصطلح “أبناء الإخوان” ذرية بضعة آلاف من الجماعة، أُتيحت لهم فرصة الهروب من البلاد إبان أحداث الثمانينيات، فيما لاقى زملاؤهم حتفهم بالقتل أو بالإعدام، أو سُجنوا لسنوات طويلة.
وقد مثّل الصدام الدموي بين نظام حافظ الأسد وتنظيم الإخوان المسلمين في بداية ثمانينيات القرن الماضي، والذي أنهى الوجود الإخواني في سوريا، بداية مرحلة جديدة من عمر التنظيم.
الرفض الرسمي لفتح مكاتب الإخوان
رغم هذا التسلل، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع رفض بشكل قاطع طلباً تقدمت به قيادات من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، لإعادة فتح مكاتب ومقرات للجماعة داخل البلاد.
وتشير المصادر إلى أن قرار الشرع جاء في ظل وجود توجه عربي وأمربكي لحظر “كل ما هو دون الدولة، الميليشيات أو الأحزاب المسلحة”.
وأوضح الباحث الأردني المختص في الشأن السوري، صلاح ملكاوي، أن هناك تنسيقاً بين دمشق وعمّان في هذا الملف، جاء خلال زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الأخيرة، حيث التقى بالشرع ووزير الخارجية السوري.
الخلاف الأيديولوجي مع هيئة تحرير الشام
تكشف التطورات عن اختلاف عقائدي بين الإدارة السورية الجديدة وجماعة الإخوان المسلمين، واختلاف في مفهوم الدولة والإدارة والحكم والتعامل مع الآخر.
فبينما تتبنى هيئة تحرير الشام نهجاً سلفياً جهادياً متشدداً، تسعى جماعة الإخوان للعمل من خلال الآليات الديمقراطية والسياسية.
وقد صرح الشرع سابقاً في مقابلة إعلامية أن “الإخوان المسلمون قادرون على المعارضة ولكن لا يملكون أدوات الحكم”، مما يعكس رؤيته للدور المحدود الذي يمكن أن تلعبه الجماعة في المرحلة الحالية.
التحديات الداخلية للإخوان في سوريا
وتواجه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تحديات كبيرة في إعادة بناء وجودها. فلم يُمنح الجناح السياسي للإخوان – الحزب الوطني للعدالة والدستور (المعروف باسم حزب الوعد) – وضعاً قانونياً، رغم محاولاته المتكررة للعمل ضمن الإطار القانوني الجديد في سوريا.
وتشير التقارير إلى أن العديد من العواصم الغربية والعربية ترى أن الجماعات الجهادية تُمثل تهديداً أمنياً مؤقتاً يُمكن السيطرة عليه، بينما يُنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين – بشبكاتها العابرة للحدود الوطنية وديمومة عقائدها – على أنها تحد سياسي أكثر ديمومة.
محاولات التأقلم مع الواقع الجديد
في مواجهة هذه التحديات، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بياناً في أغسطس 2025 دعت فيه إلى بناء دولة مدنية حديثة ذات مرجعية إسلامية، وإجراء انتخابات نيابية تعددية حرة.
وأكدت الجماعة على موقفها كـ“داعم ناصح أمين للعهد الجديد”، مع الحرص على إنجاح عملية بناء الدولة المدنية الحديثة.
كما تبنّت الجماعة خطاباً أكثر تمايزاً عن تنظيم الإخوان العالمي، فانتقدت إيران، وامتنعت عن تبني مواقف عدائية تجاه دول مثل السعودية، محاولة تكييف موقفها مع الواقع السياسي الإقليمي وتخفيف الضغط الدولي.
التعيينات في وزارة الخارجية
تكشف التعيينات الجديدة في وزارة الخارجية السورية عن وجود عدد من الأشخاص الذين قد يكون لهم ارتباطات بالتيار الإخواني أو المعارضة السابقة.
فإلى جانب إبراهيم العلبي كمستشار قانوني، تم تعيين شخصيات أخرى مثل محمد يعقوب العمر الذي شغل سابقاً منصب وزير الإعلام في الحكومة السورية المؤقتة.
وأشارت مصادر إلى أن المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية يدرب منذ عدة أشهر شخصيات سورية لتولي مناصب دبلوماسية وقنصلية، بينهم شخصيات كانت في جسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
الضغوط الإقليمية والدولية
يأتي موقف الشرع من الإخوان في سياق ضغوط إقليمية ودولية واضحة. فبعد السقوط الأخير لتنظيم الإخوان في الأردن وإعلان حظره رسمياً في المملكة، قال الوزير الأردني السابق محمد داودية: “نرحب بالتحولات الرئيسية التي جرت في سوريا وبالعهد الجديد، نحن وسوريا على خط واحد”.
كما أن إدراك الشرع أن إعادة دمج نظامه دبلوماسياً، ودعمه الإقليمي، بل وحتى مالياً، مرهونة بموقف حازم وواضح ضد عودة الإخوان إلى الحياة السياسية. وتشير التقارير إلى أن العلاقات بين الحكومة السورية وعدة دول عربية لم تكن لتتحسن لولا تلقي ضمانات صريحة – بعضها عبر قنوات تركية – بأن الإخوان سيظلون مستبعدين من المعادلة السياسية.










