نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا مطولا يوم السبت، حذرت فيه من تصاعد موجة الحوادث “المشبوهة” داخل إيران خلال الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أنها أثارت قلقا متزايدا بين الإيرانيين من احتمال تجدد الصراع مع إسرائيل، رغم مرور شهرين فقط على وقف إطلاق النار الذي أنهى حربا دامت 12 يوما بين البلدين.
في 18 أغسطس، صرح محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني والمقرب من الإصلاحيين، قائلا: “نحن اليوم لسنا في حالة هدنة حقيقية، بل في حالة تعليق مؤقت للقتال “، مضيفا يجب أن نكون مستعدين لمواجهة العدو في أي لحظة.
وفي اليوم السابق، حذر يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإسلامي (الجيش الأيديولوجي للبلاد) ومستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، من أن “الحرب مع إسرائيل قد تندلع في أي لحظة “. وأضاف: “لسنا في حالة هدنة، بل في حالة حرب (…) والوضع قابل للتغيير في أي لحظة. أعتقد أن صراعا جديدا وارد “.
ومن 13 إلى 24 يونيو/حزيران، خلال الضربات الإسرائيلية على إيران – والتي انضمت إليها الولايات المتحدة في اليوم الأخير بقصف منشآت نووية – قتل أكثر من ألف إيراني، معظمهم من المدنيين، بالإضافة إلى عدد من قادة الحرس الثوري والمسؤولين عن البرنامج النووي. ردت إيران بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة على الأراضي الإسرائيلية. انتهت هذه
ووفقا للتقرير، فإن الوضع الداخلي في إيران يشهد توترا مضاعفا، حيث يعاني المواطنون من أزمة اقتصادية خانقة تشمل تضخما بلغ 50%، ونقصا في المياه والكهرباء، وتدهورا في الإنتاج المحلي، بالتوازي مع سلسلة من الحرائق والانفجارات الغامضة التي باتت تسجل بشكل شبه أسبوعي في مناطق متفرقة من البلاد.
حوادث غامضة وإشارات غير مطمئنة
وذكرت لوموند أن بعض هذه الحوادث كانت بارزة ومثيرة للتساؤل، أبرزها الحريق الهائل الذي اندلع في 17 أغسطس/آب في مستودع للمنتجات النفطية بطهران، دون توضيح رسمي لأسبابه.
كما وقعت عدة انفجارات وحرائق خلال يوليو/تموز، شملت انفجار في مستودع للنفايات الصناعية بمدينة كرمانشاه، حريق في منطقة أنزالي الحرة، واحتراق ورشتين تابعتين لجامعة أصفهان للتكنولوجيا، واندلاع حريق في أكبر مصفاة نفطية بإيران في مدينة عبادان
ورغم نفي المسؤولين الإيرانيين وجود أي “عمل خارجي” وراء هذه الحوادث، تزايدت التكهنات داخل الرأي العام الإيراني بشأن احتمال تورط إسرائيلي، لا سيما أن إسرائيل لم تخف في السابق مسؤوليتها عن عمليات اغتيال وتخريب داخل إيران في سياق الحرب السرية بين الطرفين.
“الحرب لم تتوقف حقا”
ينقل التقرير عن ناشطين اقتصاديين ومقربين من دوائر سياسية وعسكرية في إيران، اعتقادهم بأن الحرب “لم تتوقف فعليا” رغم الهدوء الظاهري، وأن ما يجري هو استمرار لحرب منخفضة الشدة، تشمل عمليات اغتيال مستهدفة وهجمات محدودة. كما تتهم هذه الجهات الحكومة بفرض “صمت قسري” لمنع تداول هذه الوقائع على نطاق واسع، خشية المساءلة السياسية والشعبية.
قلق شعبي وأزمة اقتصادية خانقة
بحسب استطلاع رأي أعده مركز ISPA الإيراني في طهران أواخر يونيو وأوائل يوليو، ونشرت نتائجه في 10 أغسطس، فإن 55% من سكان العاصمة يخشون بشدة من احتمال عودة الحرب، فيما عبر أكثر من نصف المشاركين عن عدم قدرتهم على تحمل عواقبها الاقتصادية والاجتماعية.
وتضيف الصحيفة أن الوضع الاقتصادي المتردي فاقم هذا القلق الشعبي، مع دخول عدد كبير من الشركات الصغيرة في دائرة الإفلاس، وتعليق الشركات الكبرى لمشروعاتها، وسط نزوح الأثرياء ونقل أصولهم إلى الخارج.
دعوات للإصلاح والتغيير
في خطوة نادرة، وقع 180 اقتصاديا وأكاديميا إيرانيا رسالة مفتوحة دعت إلى تغيير جذري في الحكم، إطلاق سراح السجناء السياسيين، وفتح قنوات الحوار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة وأوروبا.
هذه الرسالة، كما ترى لوموند، تعكس قلقا عميقا ومتزايدا داخل النخبة الإيرانية من احتمالية الانزلاق إلى صراع مفتوح جديد، في ظل انسداد أفق الحلول الداخلية وغياب مؤشرات على إصلاحات جدية.
الآثار النفسية: مستقبل غامض وشعور بالعجز
في جانب آخر من التقرير، نقلت الصحيفة عن طبيب نفسي في طهران قوله إن “الناس يعيشون في حالة من الشلل النفسي”، حيث يظهر كثير من مرضاه رفضا حتى لمناقشة فكرة الحرب، ويكتفون بتقليص نفقاتهم اليومية كوسيلة وحيدة للسيطرة على المجهول.
تخلص لوموند إلى أن إيران، رغم التهدئة العسكرية الظاهرة، تعيش حالة من عدم اليقين العميق، تغذيها الحوادث المتكررة، والانهيار الاقتصادي، والخوف الشعبي من التصعيد. ويبدو أن السؤال لم يعد “هل تعود الحرب؟” بل “متى وأين ستبدأ شرارتها التالية؟”، في ظل غياب ضمانات داخلية وخارجية تمنع انفجار الوضع من جديد.










