أدت التصريحات الحادة التي أطلقها ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تصعيد دبلوماسي جديد بين باريس وروما. واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الخميس الماضي السفيرة الإيطالية إيمانويلا داليساندرو احتجاجاً على هذه التصريحات “غير المقبولة”.
خلفية الأزمة: قوات أوروبية في أوكرانيا
نشأت هذه الأزمة الدبلوماسية على خلفية الخلاف حول اقتراح فرنسي-بريطاني لإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا كجزء من ضمانات الأمن في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا. وقد شكلت فرنسا وبريطانيا ما يُعرف بـ“تحالف الراغبين” الذي يضم أكثر من 30 دولة مستعدة للمشاركة في هذه المهمة.
من جانبها، رفضت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بشكل قاطع مشاركة القوات الإيطالية في هذه المهمة. وأعلنت ميلوني في اجتماع افتراضي لـ”تحالف الراغبين”: “لا مشاركة وطنية مخططة في عملية حفظ سلام محتملة على الأرض”.
تصريحات سالفيني المثيرة للجدل
في هذا السياق المتوتر، أطلق ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف وعضو الحكومة الإيطالية، تصريحاته الحادة ضد ماكرون خلال زيارته لميلان.
وأضاف سالفيني بالإيطالية الميلانية: “تاتشي آل ترام” (تمسك بالترام)، في إشارة ساخرة لماكرون. كما وصف السياسات الفرنسية بأنها تتضمن “جيوش أوروبية، وإعادة تسليح أوروبية، وديون أوروبية مشتركة لشراء صواريخ”.
تاريخ من الهجمات المتكررة
هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها سالفيني الرئيس الفرنسي. ففي مارس الماضي، وصف ماكرون بأنه “مجنون” يتحدث عن الحرب النووية. وقال في تجمع للأحزاب اليمينية الأوروبية: “أعتقد أن الرئيس ماكرون، بكلماته، يمثل خطراً على بلدنا وقارتنا”.
واستمر سالفيني في حملته ضد ماكرون لأشهر، واصفاً إياه بـ”محب الحرب” و”المجرم” و”الرجل المدمن على الشمبانيا”.
الرد الدبلوماسي الفرنسي
ردت فرنسا على هذه التصريحات باستدعاء السفيرة الإيطالية وإبلاغها أن “هذه التصريحات تتعارض مع مناخ الثقة والعلاقات التاريخية بين البلدين”. وأكدت المصادر الدبلوماسية الفرنسية على “التقارب القوي بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالدعم الثابت لأوكرانيا”.
موقف حكومة ميلوني المعقد
تضع تصريحات سالفيني رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في موقف صعب. فمن جهة، سالفيني شريك أساسي في ائتلافها الحكومي، ومن جهة أخرى، تسعى ميلوني للحفاظ على علاقات جيدة مع فرنسا. وقد اختارت ميلوني حتى الآن عدم التعرض لهذه القضية، تاركة وزير الخارجية أنطونيو تاجاني يطلب من سالفيني ضبط النفس.
مبادرة ميلوني البديلة للأمن الأوكراني
رغم رفضها لنشر قوات في أوكرانيا، اقترحت ميلوني خطة بديلة لضمانات الأمن لأوكرانيا تتطلب من حلفاء كييف اتخاذ قرار خلال 24 ساعة من أي هجوم روسي جديد بشأن إرسال قوات. وتشبه هذه الخطة المادة الخامسة من الناتو للدفاع الجماعي، لكنها لا تتضمن عضوية أوكرانيا في الناتو.
السياق التاريخي للعلاقات الفرنسية-الإيطالية
تشهد العلاقات الفرنسية-الإيطالية توتراً متقطعاً منذ سنوات. ففي فبراير 2019، استدعت فرنسا سفيرها من روما لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية احتجاجاً على تصريحات لويجي دي مايو حول السياسة الاستعمارية الفرنسية في أفريقيا.
وفي نوفمبر 2021، وقعت ميلوني وماكرون معاهدة كويرينال في روما، والتي تهدف إلى “تعزيز التقارب بين المواقف الفرنسية والإيطالية”. لكن العلاقات تدهورت مجدداً بعد انتخاب ميلوني بسبب الخلافات حول الهجرة والسياسات الأوروبية.
تحالف الراغبين والانقسامات الأوروبية
يضم “تحالف الراغبين” الذي تقوده فرنسا وبريطانيا حوالي 31 دولة، لكن الدعم لفكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا يختلف بشكل كبير. فبينما تؤيد إستونيا والدنمارك والسويد هذه الفكرة، تعارضها بولندا وإيطاليا بشدة.
التحديات أمام التحالف الأوروبي
تواجه فكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا تحديات عملية كبيرة. فكما أشار رئيس اتحاد الجنود الألمان: “لن يكفي أن يكون لدينا عدد قليل من الجنرالات ووحدات عسكرية صغيرة تدير مركز قيادة في أوكرانيا”. وأضاف أنه ستكون هناك حاجة لنشر “عشرات الآلاف” من القوات لفترة طويلة.
الخلاصة
تكشف هذه الأزمة الدبلوماسية الأخيرة عن الانقسامات العميقة داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الصراع الأوكراني. فبينما تدفع فرنسا نحو تدخل عسكري أوروبي أكبر، تفضل إيطاليا وغيرها من الدول نهجاً أكثر حذراً.
وتُظهر تصريحات سالفيني المتكررة ضد ماكرون التحدي الذي تواجهه ميلوني في إدارة ائتلاف حكومي يضم أطيافاً متنوعة من اليمين، من المحافظين إلى الشعبويين المتطرفين. كما تعكس التوتر الأوسع بين النخب السياسية الأوروبية والقوى الشعبوية التي تعارض التدخل العسكري والتكامل الأوروبي العميق.
في النهاية، تبقى مسألة الدعم الأوروبي لأوكرانيا قضية خلافية تهدد بتقسيم الاتحاد الأوروبي في وقت يحتاج فيه إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع استمرار الصراع وعدم وضوح الموقف الأمريكي تحت إدارة ترامب الجديدة.










