كشفت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية عن تطور مثير للقلق في الوضعية المالية للمملكة، حيث ارتفع عجز الميزانية إلى 55 مليار درهم بنهاية شهر يوليو 2025، مقارنة بـ40.2 مليار درهم خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مما يمثل زيادة قدرها 36.8%.
هذا العجز الكبير يعكس اختلالاً خطيراً في التوازن المالي، حيث فاقت الزيادة في النفقات العامة نمو الإيرادات بشكل ملحوظ. فقد ارتفعت النفقات بقيمة 43.4 مليار درهم، بينما لم تتجاوز الزيادة في المداخيل 28.7 مليار درهم.
زيادة مفرطة في النفقات العامة
شهدت النفقات العادية ارتفاعاً ملحوظاً إلى 213.9 مليار درهم بزيادة 25.1 مليار درهم مقارنة بالعام السابق. ويُعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل رئيسية:
نفقات الأجور والسلع والخدمات: ارتفعت نفقات السلع والخدمات بقيمة 24.7 مليار درهم، كما زادت نفقات الموظفين بنسبة 10.7 مليار درهم.
فوائد الدين المتصاعدة: سجلت فوائد الدين زيادة قدرها 4.9 مليار درهم، حيث ارتفعت فوائد الدين الداخلي بـ5.7 مليار درهم، بينما تراجعت فوائد الدين الخارجي بـ753 مليون درهم.
السياسات الحكومية المكلفة
تواجه الحكومة المغربية ضغوطاً متزايدة لتحسين الأوضاع الاجتماعية، مما دفعها لاتخاذ قرارات مالية مكلفة. من أبرز هذه السياسات:
زيادة الرواتب والمعاشات: أعلنت الحكومة عن زيادات في رواتب الموظفين والمتقاعدين تتراوح بين 5% و10% حسب الفئات.
رفع الحد الأدنى للأجور: تم تطبيق زيادات تدريجية في الحد الأدنى للأجور، حيث وصل إلى 4500 درهم شهرياً للقطاع العام.
التطورات الإيجابية رغم التحديات
نمو الإيرادات الضريبية
على الرغم من التحديات، حققت المداخيل نمواً ملحوظاً بنسبة 14.5% مقارنة بنهاية يوليو 2024. ساهمت المداخيل الجبائية في هذا التطور بـ201.8 مليار درهم، أي بزيادة 27.7 مليار درهم.
انخفاض نفقات الدعم
شهدت نفقات المقاصة تراجعاً بقيمة 4.5 مليار درهم، بسبب انخفاض دعم غاز البوتان (1.6 مليار درهم) والسكر (939 مليون درهم) والدقيق الوطني للقمح اللين (430 مليون درهم)، إضافة إلى توقف دعم مهنيي النقل الطرقي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
ارتفاع المديونية العامة
نتيجة لهذا العجز المتفاقم، ارتفع الدين الداخلي إلى 781.3 مليار درهم عند متم يوليو 2025، بعدما كان في حدود 755 مليار درهم في نهاية ديسمبر 2024، أي بزيادة نسبتها 3.5% في أقل من سبعة أشهر.
الضغط على الاستثمارات
أصبحت خدمة الدين تمثل 12.2% من مجموع النفقات العادية، وهو ما يحد من قدرة الميزانية على توجيه الموارد نحو الاستثمار أو الخدمات الاجتماعية.
النظرة المستقبلية والتحديات
توقعات قاتمة للعجز التجاري
تتوقع المندوبية السامية للتخطيط تدهور عجز الميزان التجاري، لينتقل من 19.1% من الناتج الإجمالي المحلي في 2024 إلى 19.8% سنة 2025، و20.1% سنة 2026.
تحديات النمو الاقتصادي
رغم النمو المسجل بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025, يواجه الاقتصاد المغربي تحديات كبيرة، أبرزها:
استمرار تأثير ست سنوات متتالية من الجفاف على القطاع الفلاحي
تراجع الطلب الأوروبي على الصادرات المغربية
ارتفاع معدلات البطالة والحاجة لتحفيز الاستثمار
الإجراءات المطلوبة والحلول
ضرورة الإصلاحات الهيكلية
يتطلب الوضع الحالي اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية لتصحيح مسار المالية العامة:
تحسين كفاءة الإنفاق العام: ضرورة مراجعة أولويات الإنفاق والتركيز على المشاريع ذات الأثر الاقتصادي المباشر.
تنويع مصادر الإيرادات: تطوير قطاعات اقتصادية جديدة لتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية المتأثرة بالعوامل المناخية.
تحسين إدارة الدين العام: وضع استراتيجية واضحة لإدارة المديونية وتقليل تكلفة خدمة الدين.










