في تطور مهم على الساحة السياسية السورية، أُعلن في 27 أغسطس 2025 عن تأسيس “المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا”، وهو جسم سياسي جديد يمثل المناطق الساحلية وأجزاء من محافظتي حمص وحماة ذات الكثافة السكانية العلوية. يأتي هذا الإعلان كتحرك ثالث نحو الفيدرالية في سوريا ما بعد الأسد، بعد تجربة الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، وتوجه محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية إلى حكم ذاتي بعيداً عن سلطة المركز في دمشق.
السياق السياسي والأمني المتدهور
تصاعد العنف الطائفي ضد العلويين
يأتي تأسيس هذا المجلس السياسي في ظل تصاعد حاد في العنف الطائفي ضد الطائفة العلوية منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. شهدت المناطق الساحلية سلسلة من المجازر والانتهاكات ضد المدنيين العلويين، خاصة مجازر مارس 2025 التي أدت إلى مقتل 1479 مدنياً علوياً وفقدان العشرات في 40 موقعاً مختلفاً.
وثقت <الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص بين 6 و10 مارس 2025، بينهم 39 طفلاً و49 امرأة. وامتد العنف الطائفي إلى العاصمة دمشق، حيث أُجبرت مئات العائلات العلوية على مغادرة منازلهم منذ تولي الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع السلطة.
الوضع الأمني الهش في الساحل السوري
يواصل الساحل السوري، الذي كان يُعتبر البنية الصلبة للنظام السوري سابقاً، معاناته من التوتر الأمني وعدم الاستقرار. تستمر الكمائن ضد القوات الحكومية وسط مداهمات ينفذها الأمن العام ضد عناصر النظام السابق المسلحين.
تفاصيل المجلس السياسي الجديد
التأسيس والأهداف
تم الإعلان عن تأسيس “المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا” في إطار خطوات تأسيس حالة سياسية فيدرالية وفق محددات قانونية وجغرافية تضم محافظات اللاذقية وطرطوس وأجزاء من حمص وحماة. يهدف المجلس إلى “بناء نموذج مدني وعلماني قائم على العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، مع الالتزام بمبادئ الفيدرالية وحقوق جميع المكونات الطائفية والقومية”.
الأعضاء المؤسسون
يضم المجلس عدداً من الشخصيات العلوية البارزة، منهم: أمجد بدران، صلاح نيوف، عيسى إبراهيم، علي عبود، كنان وقاف، عمار عجيب، مصطفى رستم، أوس درويش، رئيف سلامة، وحيد يزبك.
البرنامج السياسي
يتضمن برنامج المجلس العمل على وضع ضوابط واضحة للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية, وضمان مشاركة جميع المكونات في العملية السياسية ضمن معايير الشفافية والمساءلة. كما يشمل معالجة العدالة الانتقالية، بما في ذلك إحالة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية.
السياق التاريخي والدوافع
التاريخ العلوي والحكم الذاتي
يرتبط العلويون تاريخياً بمناطق الساحل، حيث كانت “دولة جبل العلويين” أو “إقليم العلويين” التي أسسها الانتداب الفرنسي في عام 1920 واستمرت حتى 1936. تمتعت هذه الدولة بالحكم الذاتي تحت الحكم الفرنسي، وفي أواخر 1923 تم إعلانها دولة مستقلة عاصمتها اللاذقية.
الدوافع الحالية للحكم الذاتي
تدفع المخاوف من استمرار العنف الطائفي والتهميش السياسي الطائفة العلوية نحو البحث عن حلول للحكم الذاتي تضمن حمايتها وحقوقها.
التأثير على الوحدة الترابية
يثير تأسيس المجلس السياسي العلوي تساؤلات جوهرية حول مستقبل الوحدة الترابية السورية. فمع وجود ثلاثة مشاريع فيدرالية متزامنة (الإدارة الذاتية الكردية، الحكم الذاتي الدرزي، والآن المجلس العلوي)، تواجه سوريا خطر التفكك إلى كانتونات طائفية وإثنية.
التحديات الاقتصادية والسياسية
يواجه هذا التوجه تحديات اقتصادية كبيرة، حيث تشهد سوريا أزمة اقتصادية حادة مع استمرار العقوبات الدولية. كما أن التقسيم الفيدرالي قد يعقد من عملية إعادة الإعمار التي تحتاج إلى تقديرات تتراوح بين 250 و400 مليار دولار.
مستقبل العلويين
يمثل إعلان “المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا” نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي السوري ما بعد الأسد. فبينما يسعى العلويون إلى ضمان حقوقهم وحمايتهم من خلال الحكم الذاتي، يثير هذا التوجه مخاوف جدية حول مستقبل الوحدة السورية.
إن نجاح أو فشل هذا المشروع سيعتمد على عدة عوامل، منها قدرة المجلس على تأمين الدعم الشعبي في المناطق المعنية، والتفاعل مع المواقف الإقليمية والدولية، وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تحافظ على وحدة سوريا مع ضمان حقوق جميع مكوناتها.










