دعا فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، السلطات المصرية يوم الثلاثاء إلى وضع حد فوري لممارسة “التدوير” التي تسمح باحتجاز منتقدي الحكومة تعسفياً لفترات مطولة، حتى بعد إنهاء عقوباتهم أو بلوغ الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.
ما هي ممارسة التدوير؟
ممارسة التدوير هي آلية ابتكرتها السلطات المصرية للتحايل على القانون وإبقاء السجناء السياسيين محتجزين، حيث توجه اتهامات جديدة ضد الأفراد عندما يكونون على وشك إكمال عقوباتهم أو عند بلوغ الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي.
هذه الاتهامات الجديدة، التي غالباً ما تكون مشابهة أو مطابقة للاتهامات السابقة، تمنع الإفراج عن المحتجزين وتبقيهم في السجن إلى أجل غير مسمى.
وصف تورك هذه الممارسة بأنها “أداة تقمع بها الحكومة المصرية من يُنظر إليهم على أنهم ينتقدون سياساتها أو يعارضونها”، مؤكداً أنها تُستخدم للتحايل على حقوق الأفراد في الحرية والإجراءات القانونية الواجبة والمساواة أمام القانون.
الحالات المستهدفة بالتدوير
استهدفت هذه الممارسة بشكل أساسي،مدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء سياسيين ومعارضين، وحامين وصحفيين، ومتظاهرين سلميين،وأدباء وشعراء.
قضايا بارزة تطبق عليها التدوير
جلال البحيري – الشاعر المحتجز منذ سبع سنوات
جلال البحيري شاعر مصري اعتقل في مارس 2018 بسبب كتابته لأغنية “بلحة” الانتقادية للحكومة. أكمل عقوبته السجن البالغة ثلاث سنوات في يوليو 2021، لكن السلطات رفضت الإفراج عنه وأضافته لقضية جديدة بنفس الاتهامات.
وفي 19 أغسطس 2025، وجهت إليه اتهامات جديدة مرة أخرى من قبل نيابة أمن الدولة العليا، مما يعني أنه محتجز منذ أكثر من سبع سنوات في قضايا متعددة بنفس الاتهامات.
تجاوز البحيري الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي البالغ سنتين في سبتمبر 2023، لكنه ما زال محتجزاً. خلال احتجازه، تدهورت حالته الصحية ونفذ إضرابات جوع متعددة، كما حاول الانتحار في سبتمبر 2023 احتجاجاً على احتجازه المطول.
علاء عبد الفتاح – الناشط البريطاني-المصري
علاء عبد الفتاح كاتب وناشط حقوقي قضى معظم الـ14 عاماً الماضية في السجن أو الحبس الاحتياطي. أكمل عقوبته الأخيرة في سبتمبر 2024، لكن السلطات تحتجزه باستخدام ممارسة التدوير، وأعلنت أنه لن يفرج عنه حتى يناير 2027.
كان عبد الفتاح شخصية محورية في ثورة 2011 المصرية، وحُكم عليه بخمس سنوات سجناً بتهمة “نشر أخبار كاذبة” عبر منشور على فيسبوك ينتقد معاملة الدولة للسجناء. في نوفمبر 2022، نفذ إضراباً عن الطعام والماء خلال مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ للفت الانتباه لقضيته.
هدى عبد المنعم – المحامية وخبيرة حقوق الإنسان
هدى عبد المنعم محامية وناشطة حقوقية تبلغ من العمر 65 عاماً ومدافعة عن حقوق الإنسان منذ 1983. أكملت عقوبة السجن البالغة خمس سنوات في 31 أكتوبر 2023، لكن السلطات اتهمتها في قضية جديدة بنفس التهم في نفس اليوم.
في ديسمبر 2024، أحيلت للمحاكمة للمرة الثالثة في قضية ثالثة بنفس الاتهامات (القضية رقم 730 لسنة 2020)، مما يعني محاكمتها على نفس التهم في قضيتين في الوقت ذاته، وهو أمر لم يسبق له مثيل في النظام القضائي المصري.
تعاني عبد المنعم من حالات صحية مزمنة وخطيرة في السجن، بما في ذلك مشاكل في القلب والكلى وجلطة دموية في قدمها، لكنها تواجه إهمالاً طبياً متعمداً.
الانتهاكات القانونية لممارسة التدوير
تجاوز الحدود القانونية للحبس الاحتياطي
وفقاً للقانون المصري، تحدد المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية حداً أقصى للحبس الاحتياطي 6 أشهر للجنح و18 شهراً للجنايات وسنتان إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد أو الإعدام.
ممارسة التدوير تتجاوز هذه الحدود القانونية بشكل صارخ وتبقي المحتجزين لسنوات في الحبس الاحتياطي دون محاكمة.
انتهاك مبدأ عدم المحاكمة مرتين
التدوير ينتهك القانون المصري والدولي الذي يحظر محاكمة الشخص مرتين على نفس التهم، كما ينص عليه المادة 101 من قانون الإثبات المصري،والمادة 116 من قانون المرافعات المدنية.
مبدأ عدم التجريم المزدوج في القانون الدولي
وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول وضع المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولر هذه الممارسة بأنها “مذهلة” خاصة في حالة هدى عبد المنعم التي واجهت تهمة مطابقة لتلك التي أكملت عقوبتها من أجلها.
موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
بيان مفوض الأمم المتحدة الجديد
في بيانه الأخير، أكد فولكر تورك أن معظم المستهدفين بالتدوير “ما كان ينبغي احتجازهم أو سجنهم في المقام الأول”، مشيراً إلى أن “الاتهامات الموجهة إليهم غالباً ما تكون مرتبطة بممارسة حقوقهم المشروعة في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
طالب تورك الحكومة المصرية بـ“توقف فوراً ممارسة التدوير هذه، وأن تفرج عن جميع من تعرضوا لها”.
وتابع الأمم المتحدة لحالات التدوير
أكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يتابع عن كثب عدداً من قضايا التدوير، لافتاً إلى أن الدلائل تشير إلى أن هذه الممارسة تُستخدم على نطاق واسع في القضايا ذات الدوافع السياسية، إلا أن غياب الشفافية يجعل من الصعب تقييم النطاق الكامل للمشكلة.
وانتقدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة استخدام تعاريف مفرطة الاتساع والغموض للإرهاب، ووجدت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة أن أحكام مكافحة الإرهاب “تتجاوز النطاق الضروري لمكافحة الإرهاب وتحد بشدة من الحيز المدني وممارسة الحريات الأساسية في مصر”.
المطالب الدولية والحلول
دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى:
الإفراج الفوري عن جميع من تعرضوا لممارسة التدوير
وقف استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة ممارسة الحقوق الأساسية
ضمان عدم استخدام الإجراءات القانونية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقوقهم الإنسانية
إصلاحات هيكلية مطلوبة
إصلاح شامل لمنظومة العدالة الجنائية
احترام الحدود القانونية للحبس الاحتياطي
ضمان المحاكمات العادلة والشفافة
إنهاء الاستخدام التعسفي لقوانين مكافحة الإرهاب










