كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تقرير مفصل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتخلي عن صفقة جزئية مع حركة حماس، بعدما وعده بأن “احتلال مدينة غزة وإنهاء وجود الحركة سيتم خلال أسابيع قليلة، ما يجعل أي تفاوض غير ضروري”.
لكن تقديرات الجيش الإسرائيلي جاءت مغايرة تماماً، معتبرة أن العملية العسكرية غير قابلة للتنفيذ في ظل النقص الحاد في القوى البشرية والآليات، وحالة الجاهزية الميدانية المتردية.
مخطط الخداع السياسي
وفقاً لمصادر في واشنطن، قدم نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر للرئيس ترامب تصوراً متكاملاً لخطة “عنيفة وحاسمة” ستفضي إلى القضاء الكامل على حركة حماس. الهدف كان إقناع ترامب بأن المفاوضات الجزئية غير ضرورية لأن النصر العسكري الشامل سيحل المشكلة بالكامل.
نتنياهو خطط لدعوة ترامب لزيارة إسرائيل قبل موعده الرسمي في بريطانيا المقرر في 17 سبتمبر 2025، آملاً أن تكون العملية العسكرية قد حققت أهدافها بحلول ذلك التاريخ، بحيث يتمكن من استقباله “بعد الانتصار على حماس”.
استجابة ترامب والدعم الأمريكي الأعمى
انخدع ترامب بوعود نتنياهو وعبّر عن تفاؤله المفرط قائلاً: “أعتقد أنها ستنتهي خلال أسبوعين أو ثلاثة”. كما كتب على منصة “تروث سوشيال”: “لن نرى عودة الرهائن المتبقين إلا عند مواجهة حماس وتدميرها!!! كلما أسرعنا في ذلك، زادت فرص النجاح”.
الإدارة الأمريكية تبنت الخطاب الإسرائيلي بالكامل، حيث أكد وزير الخارجية ماركو روبيو أن “الحرب يجب أن تنتهي بدون حماس”. هذا الدعم الأعمى أعطى نتنياهو الثقة للمضي قدماً في مخططه رغم المعارضة العسكرية الداخلية.
الواقع العسكري الكارثي
أزمة القوى البشرية المدمرة
الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص يصل إلى 12,000 جندي، مع اعتراف رسمي لأول مرة بـنقص 7,500 جندي. المشكلة تتفاقم مع نقص 300 ضابط في مناصب قادة الفصائل ضمن القوات البرية.
ضابط كبير يعمل في غزة منذ بدء الحرب كشف لـ”هآرتس”: “ببساطة، لا توجد ميزانية كافية لإنجاز الأمور على النحو الأمثل. من هذا المنظور، يُعرَّض جنود المشاة للخطر”.
معدلات الانتحار بين الجنود الإسرائيليين وصلت إلى مستويات مقلقة، حيث انتحر 17 جندياً في عام 2025 لوحده. استطلاع جامعة العبرية في القدس أظهر أن 40% من جنود الاحتياط يشعرون بانخفاض الدافعية مقارنة ببداية النزاع.
انهيار المعدات والإمدادات
صحيفة “معاريف” الإسرائيلية كشفت أن “معدات الجيش منهكة وغير صالحة للعمل” بعد عامين من القتال المستمر. ضابط دبابات قال: “طُلب منا عدم إطلاق قذائف الدبابات إلا إذا كانت الطريقة الوحيدة لحل مشكلة عملياتية، وذلك بسبب النقص الحاصل”.
القدرة القتالية المتبقية
تقرير “ACLED” المتخصص أظهر أن حماس تحتفظ بحوالي نصف قوتها القتالية الأصلية. بينما تدّعي إسرائيل قتل 17,000 مسلح، التقارير المؤكدة تحدد فقط 8,500 قتيل من المسلحين.
معهد “نيو لاينز” أكد أن “حماس وكتائب القسام تحتفظ بالقدرة على التجنيد والعمل في غزة”. المجموعات المسلحة الفلسطينية استفادت من تقنيات مستخدمة في الأنفاق المدنية عالمياً (أنظمة الصرف الصحي، أنفاق المناجم، أنفاق النقل).
العجز اللوجستي للعملية المخططة
المتطلبات المستحيلة
لاحتلال مدينة غزة، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى:
10,000 جندي إضافي (7,000 عملياتي + 3,000 دعم)
استدعاء 60,000 احتياطي جديد
تمديد خدمة 20,000 احتياطي حالي
هذا يمثل أكبر استدعاء للاحتياطيين في تاريخ إسرائيل الحديث، في بلد يعاني أصلاً من نقص 12,000 جندي ومعدلات انتحار مرتفعة بين قواته.
التحدي اللوجستي المعقد
العملية تتطلب تهجير مليون فلسطيني من مدينة غزة إلى الجنوب. المشكلة أن 75% من قطاع غزة مدمر وإمكانيات النقل “محدودة للغاية” وفق الاعتراف الإسرائيلي.
رئيس الأركان إيال زمير حذر من أن “احتمال إخراج أسرى إسرائيليين أحياء في عملية عسكرية ضئيل للغاية”، مما يعني أن العملية ستؤدي لموت معظم الرهائن.
المعارضة العسكرية الصريحة
رئيس الأركان الإسرائيلي وصف خطة نتنياهو بأنها “فخ استراتيجي” سيستنزف الجيش لسنوات. خلال اجتماع مع نتنياهو، حذر زمير من أن العملية ستضع “الرهائن المتبقيين والجنود الإسرائيليين في خطر”.
المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تؤكد أن “تقديرات استخبارية متباينة أظهرت أن عزيمة مقاتلي حماس لم تتراجع، وأن أي هجوم قد يطيل أمد المعركة بدلاً من حسمها”










