بدأت الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني اليوم الخميس 28 أغسطس 2025، في تفعيل آلية “السناب باك” أو “العودة السريعة” لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بعد فشل المحادثات الدبلوماسية الأخيرة في جنيف يوم الثلاثاء في تحقيق تقدم ملموس.
أكدت وكالة رويترز وشبكة CNN أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستقدم رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي اليوم، مستندة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أقر الاتفاق النووي عام 2015.
وكانت وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد أبلغوا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بقرارهم يوم الأربعاء، والذي وصف آلية السناب باك بأنها “أداة قوية جداً للضغط على إيران”.
آلية “السناب باك”: السلاح القانوني الأوروبي
كيف تعمل الآلية؟
آلية السناب باك هي إحدى أهم الآليات المدرجة في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (JCPOA)، وتسمح لأي دولة موقعة على الاتفاق بإعادة فرض العقوبات الأممية السابقة على إيران في حال انتهاك طهران لالتزاماتها.
الآلية تقلب المنطق التقليدي لمجلس الأمن رأساً على عقب. ففي الوضع العادي، يتطلب فرض عقوبات جديدة موافقة تسعة أعضاء وعدم استخدام حق الفيتو من الأعضاء الدائمين. لكن السناب باك تعمل بالعكس: العقوبات تُفرض تلقائياً ما لم يصوت مجلس الأمن لتأجيلها، مما يعني أن أي عضو دائم (مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا) يمكنه استخدام الفيتو لضمان عودة العقوبات.
فشل المحادثات الأخيرة في جنيف
نتائج محدودة ومخيبة للآمال
انتهت المحادثات بين إيران والقوى الأوروبية الثلاث في جنيف يوم الثلاثاء دون تحقيق تقدم ملموس، حيث وصفت مصادر دبلوماسية النتائج بأنها “لم ترق لمستوى التوقعات”.
ووفقاً لتقرير موقع أكسيوس، فإن الجانب الإيراني لم يضع “مُخرجات ملموسة ومفصلة” على الطاولة لتجنب تفعيل آلية السناب باك، مما دفع الأوروبيين للمضي قدماً في خططهم.
المطالب الأوروبية المرفوضة
طرحت القوى الأوروبية الثلاث ثلاثة شروط أساسية لتجنب تفعيل آلية السناب باك:
استئناف التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
المحاسبة الشاملة عن مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60% والبالغ أكثر من 400 كيلوغرام
استئناف المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي جديد
الموقف الإيراني: رفض قاطع وتهديدات بالانتقام
إنكار الحق القانوني للأوروبيين
أعلنت طهران رفضها القاطع لحق الدول الأوروبية في تفعيل آلية السناب باك، حيث اعتبرت المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن الأوروبيين “لا يملكون أسساً قانونية وأخلاقية” لاتخاذ هذه الخطوة.
وأوضح بقائي أن إيران شرحت للأوروبيين في جنيف أنهم “لا يحق لهم قانونياً استخدام آلية السناب باك”، محذراً من أن “هذا الأمر سيكون له عواقب عليهم”.
التهديدات الإيرانية المباشرة
هدد كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية، بأن إيران ستوقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا فعّل الأوروبيون آلية السناب باك.
كما لوحت مصادر إيرانية سابقة بإمكانية انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، في خطوة قد تدفع الأزمة إلى مستوى خطير جديد.
السباق مع الزمن: انتهاء صلاحية الآلية
الموعد النهائي: 18 أكتوبر 2025
تواجه القوى الأوروبية ضغط زمني حقيقي، حيث ستنتهي صلاحية آلية السناب باك نهائياً في 18 أكتوبر 2025، أي بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاق النووي الأصلي.
بعد هذا التاريخ، ستفقد القوى الأوروبية القدرة على تفعيل الآلية، وستحتاج لإجراءات عادية في مجلس الأمن يمكن لروسيا والصين استخدام الفيتو لمنعها.
الاعتبارات الجيوسياسية
يسعى الأوروبيون لـإنهاء عملية التفعيل قبل أن تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن في أكتوبر، خشية أن تستخدم موسكو إجراءات تكتيكية لتأخير أو تعطيل العملية.
حالياً، كوريا الجنوبية تتولى رئاسة مجلس الأمن في سبتمبر، مما يوفر بيئة أكثر ملاءمة للأوروبيين لتنفيذ خططهم.
الموقف الأمريكي: دعم مع القيود
عجز أمريكي عن التفعيل المباشر
رغم دعم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للخطوة الأوروبية، إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع تفعيل آلية السناب باك بنفسها بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب.
هذا الوضع يجعل الأوروبيين اللاعب الوحيد القادر على استخدام هذه الأداة، مما يمنحهم موقفاً استراتيجياً مهماً في المواجهة مع إيران.
التوقيت والسياق السياسي
يأتي تفعيل آلية السناب باك في سياق إدارة ترامب الجديدة التي تتبنى موقفاً متشدداً من إيران، مما يضمن التنسيق الأطلسي في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
المخاطر والتداعيات المحتملة
سيناريو التصعيد النووي
يحذر خبراء من أن تفعيل آلية السناب باك قد يدفع إيران للتصعيد، خاصة إذا قررت الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أو زيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى الأسلحة (90%).
هذا السيناريو يحمل مخاطر تحول إيران إلى “كوريا شمالية ثانية”، حيث تطور سلاحاً نووياً خارج الإطار الدولي










