رفضت المحكمة الفيدرالية السويسرية، أعلى سلطة قضائية في البلاد، يوم الخميس 28 أغسطس 2025، استئناف طارق رمضان ضد إدانته بالاغتصاب والإكراه الجنسي، لتصبح بذلك الإدانة نهائية وقطعية على المستوى الوطني السويسري.
وأكدت المحكمة في بيانها الرسمي رفض “استئناف طارق رمضان ضد إدانته بالاغتصاب والإكراه الجنسي الصادرة عن محكمة العدل بجنيف”، مشيرة إلى أن الحكم الاستئنافي كان “قابلاً للقبول” وأن ادعاءات رمضان بشأن “التقييم التعسفي للأدلة” غير مبررة.
تفاصيل القضية والإدانة
الوقائع الأساسية للقضية
تعود وقائع القضية إلى 28 أكتوبر 2008، عندما اتهمت سيدة سويسرية تستخدم اسم “بريجيت” لحماية هويتها، طارق رمضان بأنه أخضعها لأفعال جنسية وحشية ترافقت مع الضرب والسب في غرفة بفندق في جنيف.
المدعية، وهي معتنقة للإسلام وكانت من معجبي رمضان، شهدت أمام المحكمة بأنها تعرضت لاعتداء جنسي وحشي وضرب وإهانات لساعات عديدة، واصفة ما حدث بأنه “تعذيب وهمجية”.
مسار القضية عبر المحاكم
المحكمة الابتدائية (2023): البراءة
في مايو 2023، برأت المحكمة الابتدائية في جنيف طارق رمضان من التهم الموجهة إليه، مستندة إلى عدم كفاية الأدلة المادية وتناقض الشهادات و“رسائل الحب” التي أرسلتها المدعية بعد الحادثة المزعومة.
محكمة الاستئناف (2024): الإدانة
في سبتمبر 2024، قلبت محكمة استئناف جنيف قرار البراءة وأدانت رمضان البالغ من العمر 63 عاماً بتهمتي الاغتصاب والإكراه الجنسي، وحكمت عليه بـالسجن ثلاث سنوات منها سنة نافذة وسنتان مع وقف التنفيذ.
المحكمة الفيدرالية (2025): تأكيد الإدانة
اليوم، رفضت المحكمة الفيدرالية السويسرية استئناف رمضان، مؤكدة أن “الشكاوى المقدمة من المستأنف لا تثبت أن حكم جنيف استند إلى تقييم تعسفي للأدلة” وأنه لا توجد مؤشرات على انتهاك قرينة البراءة.
الأدلة والشهادات المؤثرة
تنوع الأدلة المقدمة
أكدت المحكمة الفيدرالية أن محكمة العدل في جنيف استندت في حكمها إلى مجموعة متنوعة من الأدلة التي كانت متوافقة مع شهادة الضحية، شملت:
شهادات متعددة من شهود
وثائق ومستندات ذات صلة بالقضية
تقارير طبية تدعم ادعاءات المدعية
آراء خبراء خاصين في المجال النفسي والطبي
دفوع الدفاع المرفوضة
رفضت المحكمة الفيدرالية الاعتراضات الإجرائية التي قدمها فريق دفاع رمضان، والتي زعمت وجود أخطاء إجرائية و“تقييم تعسفي” للأدلة من قبل محكمة الاستئناف في جنيف.
الآثار المالية والقانونية
التعويضات المالية
بالإضافة للحكم بالسجن، أُلزم رمضان بدفع تعويضات ومصاريف قانونية تزيد عن 100,000 فرنك سويسري (حوالي 118,000 دولار أمريكي) للمدعية.
ورفضت المحكمة الفيدرالية طلب رمضان بتأجيل دفع التعويضات البالغة 95,000 فرنك سويسري، رغم ادعائه صعوبات مالية بسبب فقدانه لمناصبه الأكاديمية عقب الاتهامات.
طارق رمضان هو حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحمل الجنسية السويسرية منذ ولادته. والده سعيد رمضان لجأ إلى سويسرا عام 1954.
المسيرة الأكاديمية المتميزة
أستاذ في جامعة أكسفورد للدراسات الإسلامية المعاصرة (2007-2018)
مدرّس في عدة مدارس في جنيف بين 1984 و2004
اختارته مجلة تايم عام 2004 كأحد أكثر 100 شخص تأثيراً في العالم
شخصية كاريزمية في الإسلام الأوروبي والحوار بين الأديان
السقوط من القمة
بدأ تراجع مكانة رمضان مع ظهور اتهامات التحرش الجنسي في فرنسا عام 2017، حيث أوقف نشاطه الأكاديمي في جامعة أكسفورد وفقد مناصبه ومصادر دخله.
اعترف رمضان عام 2018 بالخيانة الزوجية خلال زواجه الطويل الذي أنجب منه أربعة أطفال، مما أضر بسمعته بين الشخصيات الدينية والمجتمعية.
التحليل القانوني والاجتماعي
تطور القضاء السويسري
يُعتبر هذا الحكم مؤشراً على تطور النظام القضائي السويسري في التعامل مع قضايا العنف الجنسي، خاصة أن سويسرا حدثت تعريفها للاغتصاب في السنوات الأخيرة لتشمل حالات أوسع.
أثر حركة “Me Too”
جاءت شكوى المدعية السويسرية في 2018، بعد عقد كامل من الحادثة المزعومة، متأثرة بحركة “Me Too” والشكاوى التي ظهرت ضد رمضان في فرنسا، مما يعكس تغيراً في استعداد النساء للإبلاغ عن هذه الجرائم.
المستقبل القانوني والشخصي
الخطوات القادمة
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تمثل الملاذ الأخير لرمضان على المستوى القضائي، حيث يمكنه الطعن في عدالة الإجراءات أو انتهاك حقوقه الأساسية، لكن فرص النجاح تبدو محدودة في ضوء شمولية الأدلة والإجراءات المتبعة.
التحديات الشخصية والصحية
يواجه رمضان تحديات صحية تشمل التصلب المتعدد والاكتئاب، مما دفعه للتقاعد المبكر من الحياة الأكاديمية، بالإضافة إلى الضغوط المالية الناتجة عن فقدان مصادر دخله.










