صوّت مجلس الأمن الدولي اليوم الخميس بالإجماع على قرار مثير للجدل يمدد مهمة قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) للمرة الأخيرة حتى نهاية ديسمبر 2026، مع وضع خطة زمنية محددة لانسحابها الكامل بحلول عام 2027.
القرار، الذي يحمل الرقم 2749 المحدث، يضع نهاية لواحدة من أطول مهام حفظ السلام في تاريخ الأمم المتحدة، حيث انتشرت القوات الدولية في جنوب لبنان منذ مارس 1978 عقب الغزو الإسرائيلي الأول.
تسوية متوازنة وسط ضغوط أمريكية وإسرائيلية
جاء هذا القرار كتسوية بين الموقف الأمريكي الذي طالب بإنهاء المهمة خلال عام واحد، والموقف الفرنسي الذي دعا إلى تمديد أطول. وقد لعبت فرنسا، التي تتولى ملف يونيفيل في مجلس الأمن، دوراً محورياً في صياغة هذا الحل الوسط.
وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن الولايات المتحدة لم تعترض على النص الفرنسي النهائي، رغم أن موقفها من التصويت – سواء بالموافقة أو الامتناع – لم يتضح بشكل نهائي حتى اللحظات الأخيرة.
خطة الانسحاب المرحلي
ينص مشروع القرار الجديد على أن مجلس الأمن “يقرر تمديد ولاية اليونيفيل لمرة أخيرة حتى 31 ديسمبر 2026، وبدء عملية تقليص وانسحاب منظمة وآمنة اعتباراً من 31 ديسمبر 2026 على أن تنتهي في غضون عام واحد”.
وبموجب هذا الجدول الزمني، ستبدأ القوة المؤلفة من 10,800 عسكري ومدني من حوالي 50 دولة عملية انسحابها في نهاية 2026 لتكتمل بحلول نهاية 2027.
مسؤولية الجيش اللبناني الكاملة
يهدف القرار إلى جعل الحكومة اللبنانية “الضامن الوحيد للأمن” في جنوب لبنان شمال الخط الأزرق الذي ترسمه الأمم المتحدة كحدود مع إسرائيل. كما يطالب القرار إسرائيل بسحب قواتها من شمال الخط الأزرق، “بما في ذلك من خمسة مواقع تسيطر عليها على الأراضي اللبنانية”.
هذا التطور يأتي في وقت تواجه فيه السلطات اللبنانية تحدياً كبيراً في تنفيذ التزاماتها بنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب المدمرة بين إسرائيل والحزب في نوفمبر 2024.
جدل حول فعالية المهمة
جاء قرار إنهاء مهمة يونيفيل وسط انتقادات متزايدة لفعاليتها، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان تتهمان القوة بالفشل في منع حزب الله من بناء ترسانة عسكرية ضخمة في جنوب لبنان رغم وجودها لأكثر من أربعة عقود.
وقد وصف المسؤولون في إدارة ترامب المهمة بأنها “إهدار غير فعال للمال” يؤخر الهدف المتمثل في القضاء على نفوذ حزب الله المدعوم من إيران واستعادة السيطرة الأمنية الكاملة للقوات المسلحة اللبنانية.
موقف لبناني معارض للانسحاب
عبر الرئيس اللبناني جوزيف عون الأسبوع الماضي عن معارضته لأي تحديد زمني مسبق لانتداب يونيفيل، محذراً من أن “أي تحديد زمني لانتداب اليونيفيل مغاير للحاجة الفعلية إليها سوف يؤثر سلباً على الوضع في الجنوب الذي لا يزال يعاني من احتلال إسرائيل لمساحات من أراضيه”.
التحديات الأمنية القائمة
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار التوتر في المنطقة، حيث تحافظ إسرائيل على قواتها في خمس مرتفعات استراتيجية في جنوب لبنان وتواصل شن ضربات بشكل شبه يومي، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
كما تواجه القوات المسلحة اللبنانية تحديات مالية وتقنية كبيرة في تولي المسؤوليات الأمنية الكاملة، حيث أشار متحدث باسم يونيفيل إلى أن “الجيش اللبناني لا يملك حالياً القدرات والإمكانيات للانتشار بشكل كامل” وأنه “يحتاج إلى دعم في القدرات والإمكانيات من يونيفيل، والدعم المالي من المجتمع الدولي”.
ردود فعل إقليمية ودولية
واجه القرار ردود فعل متباينة من الدول المساهمة في القوة، حيث عارضت دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا الإنهاء السريع للمهمة، محتجة بأن إنهاء مهمة حفظ السلام قبل أن يتمكن الجيش اللبناني من تأمين المنطقة الحدودية بالكامل سيخلق فراغاً يمكن أن يستغله حزب الله بسهولة.
وحذر خبراء من أن الانسحاب المتسرع قد يؤدي إلى زيادة خطر مواجهة مباشرة جديدة بين حزب الله وإسرائيل، وكذلك احتمال توغل إسرائيلي جديد في جنوب لبنان










