أصدرت وزارة الخارجية الألمانية يوم الجمعة 29 أغسطس 2025 تحذيرًا عاجلًا لجميع المواطنين الألمان في إيران، داعية إياهم إلى مغادرة البلاد فورًا وتجنب السفر إليها تحسبًا لأي إجراءات انتقامية قد تتخذها طهران ردًا على دور ألمانيا في تفعيل آلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
وجاء في البيان الرسمي للوزارة: “المواطنون الألمان مطالبون بمغادرة إيران. في 28 أغسطس، قررت بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا تفعيل ما يُسمى بآلية الاستعادة السريعة بسبب الانتهاكات الإيرانية المتكررة والواسعة لاتفاق العمل الشامل المشترك (الاتفاق النووي)”.
وأضافت الوزارة أنه “نظرًا لتهديدات المسؤولين الحكوميين الإيرانيين المتكررة بالعواقب في هذه الحالة، لا يمكن استبعاد تأثر المصالح والمواطنين الألمان بالإجراءات المضادة في إيران”. كما حذرت من أن السفارة الألمانية في طهران “قادرة حاليًا على تقديم مساعدة قنصلية محدودة فقط في الموقع”.
الدول الأوروبية الثلاث تفعل آلية الاستعادة السريعة للعقوبات
أطلقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة باسم “المجموعة الأوروبية الثلاثية (E3)”، يوم الخميس 28 أغسطس 2025، عملية مدتها 30 يومًا لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بسبب ما وصفته بـ”عدم الامتثال الكبير” لالتزامات الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، أعلنت الدول الثلاث أن “عدم امتثال إيران لاتفاق العمل الشامل المشترك واضح ومتعمد”، مشيرة إلى أن إيران “لا تملك مبررًا مدنيًا لمخزونها الضخم من اليورانيوم المخصب إلى 60%”.
خلفية الأزمة: الضربات الإسرائيلية-الأمريكية على المنشآت النووية
تأتي هذه التطورات بعد شهرين من الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، والتي شهدت قيام إسرائيل والولايات المتحدة بقصف منشآت نووية إيرانية رئيسية.
بدأت الحرب في 13 يونيو 2025 عندما شنت إسرائيل ضربات جوية مفاجئة على منشآت نووية وعسكرية إيرانية متعددة، بهدف “القضاء على” البرنامج النووي الإيراني. وفي 22 يونيو، انضمت الولايات المتحدة إلى العمليات العسكرية في إطار ما أُطلق عليه “عملية المطرقة الليلية (Operation Midnight Hammer)”.
استهدفت الضربات الأمريكية ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية: منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، ومنشأة نطنز النووية، ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، باستخدام 14 قنبلة “كاسرة المخابئ” من طراز GBU-57A/B وصلت زنة كل منها إلى 30 ألف رطل.
مخزون اليورانيوم الإيراني يثير قلقًا دوليًا
تشير التقارير الحديثة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تملك حاليًا أكثر من 9000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، منها أكثر من 400 كيلوغرام مخصبة إلى مستوى 60%، وهو مستوى قريب جدًا من المستوى اللازم لصنع أسلحة نووية (90%).
وبحسب تقديرات الخبراء، فإن هذه الكمية من اليورانيوم المخصب إلى 60% كافية لصنع تسعة رؤوس نووية إذا تم تخصيبها إلى المستوى العسكري. كما أن إيران أصبحت الدولة الوحيدة غير النووية في العالم التي تنتج وتُراكم اليورانيوم المخصب إلى 60%.
آلية الاستعادة السريعة: كيف تعمل؟
آلية الاستعادة السريعة أو “Snapback” هي آلية خاصة مُدمجة في اتفاق 2015 النووي تسمح لأي طرف في الاتفاق بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا اعتبر أن إيران تنتهك بشكل كبير التزاماتها النووية.
تتميز هذه الآلية بأنها “مقاومة للفيتو” حيث تعمل بطريقة معكوسة عن القرارات العادية في مجلس الأمن. فبدلاً من الحاجة لأغلبية مؤيدة لفرض العقوبات، تُفرض العقوبات تلقائيًا خلال 30 يومًا ما لم يصوت مجلس الأمن لإيقافها.
هذا يعني أن أي عضو دائم في مجلس الأمن يمكنه إجبار على إعادة فرض العقوبات باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار يهدف لاستمرار تعليق العقوبات.
العقوبات المرتقبة وتأثيرها
في حال تفعيل آلية الاستعادة السريعة نهائيًا، ستشمل العقوبات المُعاد فرضها:
حظر شامل على الأسلحة يمنع بيع أو نقل الأسلحة من وإلى إيران
حظر على تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته
منع إطلاق الصواريخ البالستية والأنشطة المتعلقة بالصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية
تجميد الأصول العالمي وحظر السفر للأفراد والكيانات الإيرانية المُدرجة على القوائم
السماح للدول بتفتيش الشحنات من الخطوط الجوية وشركات الشحن الإيرانية
التهديدات الإيرانية بالرد
رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على إعلان الدول الأوروبية الثلاث بوصف القرار بأنه “غير قانوني وغير مبرر”. وأكد في مكالمة هاتفية مع نظرائه الأوروبيين أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية سترد بشكل مناسب على هذا العمل غير القانوني وغير المبرر من قِبل الدول الأوروبية الثلاث، من أجل حماية وضمان حقوقها ومصالحها الوطنية”.
كما هددت إيران سابقًا بـ“رد قاسٍ” في حالة إعادة فرض العقوبات، مع إشارات إلى احتمال انسحابها من معاهدة عدم الانتشار النووي.
موقف الولايات المتحدة والدعم الدولي
رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بقرار الدول الأوروبية الثلاث، ووصفه بأنه “مرحب به” وأكد أن “الاستعادة السريعة لا تتعارض مع استعدادنا الجاد للدبلوماسية، بل تعززها فقط”.
المحاولات الدبلوماسية الأخيرة
سبقت تفعيل آلية الاستعادة السريعة محاولات دبلوماسية مكثفة من الدول الأوروبية لتجنب هذه الخطوة. عُقدت جولتان من المفاوضات، الأولى في إسطنبول في يوليو والثانية في جنيف في 26 أغسطس، لكنها فشلت في تحقيق “تقدم ملموس ومفصل”.
كانت الدول الأوروبية قد عرضت على إيران إمكانية تأجيل آلية الاستعادة السريعة لمدة تصل إلى ستة أشهر مقابل استئناف إيران للتعاون الكامل مع وكالة الطاقة الذرية، وتقديم تفسير لمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وإعادة فتح المفاوضات مع الولايات المتحدة.










