أدى الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، اليمين الدستورية رئيساً للمجلس الرئاسي لحكومة الوحدة والسلام التابعة لتحالف السودان التأسيسي في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور.
مراسم أداء اليمين وسط تكتم أمني
جرت مراسم أداء القسم الدستوري أمام القاضي رمضان إبراهيم شميلة، رئيس القضاء بجنوب دارفور، وسط إجراءات أمنية مشددة وتكتم إعلامي كبير. وبحسب مصادر مطلعة، وصل جميع أعضاء الحكومة الجديدة إلى نيالا قبل أربعة أيام من المراسم.
حضر المراسم عبد العزيز آدم الحلو، قائد الحركة الشعبية/شمال، الذي أدى هو الآخر اليمين الدستورية نائباً لرئيس المجلس الرئاسي، إلى جانب عدد من القيادات السياسية والمدنية المنضوية تحت لواء “حكومة الوحدة والسلام”.
هيكل الحكومة الموازية الجديدة
تتشكل الحكومة الموازية الجديدة من مجلس رئاسي مكون من 15 عضواً برئاسة حميدتي. وقد تم تعيين محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السابق، رئيساً لمجلس الوزراء، فيما عُين فضل الله برمة ناصر رئيساً للمجلس التشريعي.
التعيينات الإقليمية الجديدة:
الهادي إدريس: حاكم إقليم دارفور
مبروك مبارك سليم: حاكم إقليم شرق السودان
فارس النور: حاكم ولاية الخرطوم
هذه التعيينات تخلق ازدواجية في الحكم، حيث توجد الآن حكومتان متنافستان تدعي كل منهما الشرعية في حكم السودان.
السياق التاريخي: من ميثاق نيروبي إلى حكومة نيالا
بدأت هذه العملية في فبراير 2025 عندما اجتمع قادة قوات الدعم السريع مع جماعات متحالفة في العاصمة الكينية نيروبي للاتفاق على تشكيل “حكومة من أجل سودان جديد”. وفي مارس الماضي، وقّعوا “دستوراً انتقالياً” ينص على دولة اتحادية مقسمة إلى ثمانية أقاليم.
كان تحالف السودان التأسيسي قد أعلن في 27 يوليو 2025 عن تشكيل حكومة موازية تحت مسمى “حكومة السلام والوحدة”، وهي الخطوة التي رفضها الجيش السوداني واعتبرها محاولة لتقسيم البلاد.
الوضع العسكري: سودان منقسم جغرافياً
يعكس تشكيل الحكومة الموازية الانقسام الجغرافي والعسكري الذي يشهده السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
خريطة السيطرة الحالية:
قوات الدعم السريع: تسيطر على معظم إقليم دارفور باستثناء مدينة الفاشر المحاصرة منذ مايو 2024، بالإضافة إلى أجزاء من إقليم كردفان.
الجيش السوداني: يسيطر على الشمال والشرق والوسط، وقد استعاد مؤخراً السيطرة على العاصمة الخرطوم بعد معارك ضارية.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
الجامعة العربية: إدانة شديدة
أدانت جامعة الدول العربية الخطوة بشدة، معتبرةً إياها “انتهاكاً صارخاً لإرادة الشعب ومحاولة لفرض أمر واقع بالسلاح”. وحذرت الأمانة العامة من التمادي في خطط إضعاف مؤسسات الدولة السودانية، معتبرة ذلك محاولة لتقسيم السودان وتحويل البلاد إلى كانتونات متناحرة.
ودعت الجامعة الأطراف السودانية إلى وقف أي خطوات أحادية تزيد من تفكك الدولة السودانية، داعية إلى تسهيل جهود الحوار السياسي بين الأطراف المدنية برعاية الوساطات الإقليمية والدولية.
المعارضة السودانية: حكومة “باطلة”
وصفت الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية ما يُسمّى بـ”حكومة تأسيس” بأنها كيان “باطل دستورياً وسياسياً وأخلاقياً”، واعتبرتها مجرد “واجهة إسفيرية هشة” لتبرير جرائم التمرد المسلح والتغطية على الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب السوداني.
وأكدت الكتلة أن الحكومة الشرعية الوحيدة في البلاد هي التي تحظى باعتراف الشعب والمجتمع الدولي، داعية السودانيين إلى دعم القوات المسلحة في معركتها من أجل وحدة الوطن.
تحذيرات أممية
حذر مسؤولون في الأمم المتحدة من أن تشكيل الحكومة الموازية قد يعمق تفكك السودان ويعقد الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع الذي بدأ في أبريل 2023.
وأعربت الأوساط الدولية عن مخاوفها من أن يؤدي وجود حكومتين متنافستين إلى تقسيم دائم للسودان وتعقيد أي جهود مستقبلية للمصالحة الوطنية.
التحديات الإنسانية المتفاقمة
تأتي هذه التطورات السياسية في ظل أزمة إنسانية كارثية يشهدها السودان. فقد أدى استمرار الصراع إلى:
نزوح أكثر من 13 مليون شخص من منازلهم
وفاة عشرات الآلاف من المدنيين
تهديد أكثر من 30 مليون شخص بالمجاعة
تدمير البنية التحتية والمؤسسات الحكومية
وبحسب الأمم المتحدة، أصبح السودان أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع استمرار تدهور الأوضاع في ظل غياب الحلول السياسية.
مستقبل السودان: بين الوحدة والتقسيم
يطرح تشكيل حكومة تأسيس الموازية تساؤلات جوهرية حول مستقبل السودان:
سيناريو التقسيم
قد يؤدي استمرار الانقسام إلى تقسيم فعلي للسودان إلى دولتين أو أكثر، على غرار ما حدث مع جنوب السودان عام 2011.
سيناريو المصالحة
يتطلب تجنب التقسيم عملية مصالحة وطنية شاملة تشمل جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك القوى المدنية والعسكرية.
الدور الإقليمي والدولي
تحتاج عملية حل الأزمة السودانية إلى تضافر الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي مستدام يحفظ وحدة السودان ويحقق السلام.
خلاصة: نقطة تحول حاسمة
يمثل أداء حميدتي لليمين الدستورية في نيالا نقطة تحول حاسمة في تاريخ السودان الحديث. فللمرة الأولى منذ استقلال البلاد، توجد حكومتان متنافستان تدعي كل منهما الشرعية في حكم نفس الإقليم.
هذا التطور يضع السودان أمام مفترق طرق خطير: إما العودة إلى المفاوضات وإيجاد حل سياسي شامل، أو الانزلاق نحو تقسيم دائم قد يكون له تداعيات كارثية على الشعب السوداني والمنطقة بأسرها.










