تواجه العاصمة الليبية طرابلس أخطر أزمة أمنية منذ شهور، حيث تتصاعد التوترات الأمنية مع تحركات عسكرية كثيفة بين فصائل موالية لـحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وتحالف يضم قوة جهاز الردع وميليشيات أخرى.
وفي خطوة تصعيدية مثيرة للقلق، تواصل الكتيبة 166 التابعة لوزارة دفاع الدبيبة تحريك آلياتها مدعومة بالمدرعات والدبابات من مصراتة إلى طرابلس، مما يهدد بنسف المسار السياسي الهش وإعادة أجواء المواجهات المسلحة للعاصمة.
انزعاج أممي بالغ من التطورات الأمنية
وكشفت مصادر مطلعة في المجلس الأعلى للدولة أن البعثة الأممية للدعم في ليبيا أبلغت المجلس رسمياً انزعاجها البالغ من التطورات الأمنية الأخيرة في العاصمة.
البعثة أشارت إلى أنها قلقة بشكل خاص من استمرار الدبيبة في نقل قوات وآليات عسكرية من مدينة مصراتة إلى قلب طرابلس، وهو ما تعتبره خرقاً واضحاً للترتيبات الأمنية المتفق عليها.
تحذيرات من حرب داخلية وشيكة
بحسب المصادر ذاتها، تلقى المجلس الأعلى للدولة تحذيرات جدية من أن استمرار هذه التحركات قد يؤدي إلى اندلاع حرب داخل العاصمة.
يأتي هذا التحذير مع تزايد التحشيدات العسكرية القادمة من مصراتة، والتي تثير مخاوف حقيقية من مواجهة وشيكة في قلب طرابلس.
تحشيد عسكري ضخم: ألف آلية تدخل طرابلس
وأفادت مصادر أمنية عن وصول نحو 1000 آلية عسكرية من مدينة مصراتة (200 كلم غرب طرابلس) مسقط رأس الدبيبة، إلى العاصمة خلال يومي الخميس والجمعة. شملت هذه الآليات:
تشكيلة القوات العسكرية مصفحات حديثة مجهزة بأسلحة متطورة ومدرعات ثقيلة للحماية والهجوم وناقلات جنود بأعداد كبيرة ودبابات قتال رئيسية من طرازات متقدمة.
ووصفت المصادر هذا التحرك بأنه الأكبر منذ بداية التوتر بين حكومة الدبيبة وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
الكتيبة 166 في المقدمة
تقود هذه التحركات الكتيبة 166 للحماية والحراسة التابعة لوزارة دفاع الدبيبة، والتي تُعتبر من أبرز التشكيلات المسلحة الموالية للحكومة المؤقتة.
هذه الكتيبة لها تاريخ طويل في المواجهات العسكرية، حيث شاركت سابقاً في معارك ضد تنظيم داعش في سرت.
جهاز الردع يسيطر على المواقع الاستراتيجية
كما يسيطر جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة على مواقع استراتيجية أبرزها ميناء طرابلس البحري – المنفذ التجاري الرئيسي، ومطار معيتيقة الدولي – البوابة الجوية للعاصمة، وقاعدة معيتيقة العسكرية – المعقل الأمني المهم، ومناطق في سوق الجمعة – قاعدة شعبية واسعة.
رفض قاطع للاستسلام
نفى جهاز قوة الردع الإذعان لحكومة الوحدة المؤقتة بشأن تسليم مقرات مؤسسات رئيسية يسيطر عليها، رداً على مزاعم يتم الترويج لها عبر بيان أمهل الجهاز 48 ساعة لإعلان “الاستسلام”.
التحشيدات تتمركز في تاجوراء
قاعدة عمليات شرق العاصمة
تمركزت القوات القادمة من مصراتة في مدينة تاجوراء شرق العاصمة، لمساندة قوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تحسباً لمواجهة مسلحة مع جهاز الردع. هذا التمركز يضع العاصمة في حالة ترقب وخوف من اندلاع مواجهات في أي لحظة.
قوة الاحتياط العام
شكّل رئيس حكومة الوحدة الوطنية قوة “الاحتياط العام” لتعزيز قدرات وزارة الدفاع، والتي تتألف من نحو 1800 آلية عسكرية مسلحة، مما يُظهر حجم الاستعدادات العسكرية للمواجهة المحتملة.
مقاومة شعبية ومحلية للتصعيد
اجتماع مصراتة يرفض الحرب
عُقد اجتماع مهم في مدينة مصراتة ضم عدداً من أعيان وقيادات المدينة، أكدوا خلاله رفضهم للزج بها في أي حرب جديدة على طرابلس لصالح حكومة الدبيبة. أعلن المجتمعون دعمهم لقوة فض النزاع بقيادة الحصان، مما يُشكل ضربة قوية لخطط الدبيبة العسكرية.
رفض شعبي في أحياء طرابلس
أعرب سكان عدة أحياء في طرابلس عن رفضهم للتصعيد:
موقف سوق الجمعة:
رفض دخول قوات من مصراتة إلى تاجوراء
اعتبار التحشيدات “تهديداً لأمن العاصمة وتقويضاً للعملية السياسية”
تأكيد أن سكان طرابلس “يقفون صفاً واحداً لحماية مدينتهم ولن يسمحوا بعودة أجواء الحرب”
موقف تاجوراء:
عبر سكان تاجوراء عن رفضهم السماح لأي قوة مسلحة بالتمركز داخل معسكرات المدينة
مطالبة الأجهزة الأمنية والعسكرية بتحمل المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات
خلفية الصراع الدامي
تصفية جهاز دعم الاستقرار
بدأ التصعيد الحالي بعد اغتيال عبد الغني الككلي “غنيوة”، قائد جهاز دعم الاستقرار في مايو 2025، والذي اعتبره الدبيبة “إنجازاً حقيقياً”. بعد انهيار هذا الجهاز، تتجه بوصلة الدبيبة نحو جهاز قوة الردع الخاصة، أكبر التشكيلات المسلحة في طرابلس.
المعادلة الأمنية المعقدة
يتمتع جهاز الردع بـدعم شعبي واسع ونفوذ ميداني في طرابلس، مما يعني أن استهدافه بالترتيبات الأمنية والعسكرية يُهدد بإشعال العاصمة برمتها. هذا الجهاز لا يسيطر فقط على مناطق حيوية، بل يحظى بدعم شعبي واسع، ما يجعل المواجهة معه محفوفة بالمخاطر.
التحذيرات الدولية المتصاعدة
قلق أممي متزايد
أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن قلقها من التحركات العسكرية في طرابلس، ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة والامتناع عن أي أعمال استفزازية وحل النزاعات بالحوار. البعثة أكدت دعمها للجهود الليبية وصولاً للحل السلمي وحملت جميع الأطراف مسؤولية حماية المدنيين.
خطر على الاستقرار الهش
تحذرت البعثة الأممية من أن الهدنة في العاصمة هشة للغاية، مشيرة إلى أن استمرار التصعيد العسكري والمناوشات بين التشكيلات المسلحة يعرّض حياة المواطنين في طرابلس ومحيطها لخطر جسيم.
السيناريوهات المحتملة
احتمال المواجهة المباشرة
يرى محللون أن الدبيبة يسعى إلى انتزاع السيطرة على المطار بالقوة، في خطوة تنذر بانفجار الوضع العسكري داخل العاصمة. هذا السيناريو مدفوع بقناعة الدبيبة أن عدم إحكام سيطرته على طرابلس سيجعله خارج المشهد وخارج أي اتفاق سياسي جديد.
تداعيات إقليمية
حذر الباحث الليبي عز الدين عقيل من أن بوادر اندلاع حرب جديدة في العاصمة طرابلس باتت كبيرة، مشيراً إلى أن خطورة السماح باندلاع هذه الحرب تكمن في أن قوات الردع وقوات رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة تنطلق من قلب الأحياء المدنية.










