في تطور اقتصادي بارز يعكس التحديات والإنجازات المتزامنة للاقتصاد المصري، كشف وزير المالية أحمد كجوك عن أن فوائد الديون استحوذت على معظم إيرادات الموازنة العامة للدولة خلال السنة المالية 2024/2025، مما أدى إلى مضاعفة العجز الكلي ليصل إلى نحو 1.2 تريليون جنيه.
عبء الديون يلتهم ثلاثة أرباع الإيرادات
أعلنت وزارة المالية المصرية أن فوائد الديون استحوذت على 73.1% من إيرادات الدولة خلال العام المالي 2024-2025، في ارتفاع كبير مقارنة بـ53.7% في العام المالي السابق (2023-2024). هذه النسبة تعد مؤشراً على استمرار ارتفاع عبء فوائد الديون على الموازنة العامة.
وسجلت فاتورة فوائد الديون خلال العام المالي الماضي نحو 1.919 تريليون جنيه، وهو رقم يعكس حجم التزامات الدولة تجاه سداد فوائد الديون المحلية والخارجية.
وقد شكلت فوائد الدين المحلي نحو 64.3% من إجمالي الإيرادات، بينما شكلت فوائد الدين الخارجي نحو 8.8% من نفس الإيرادات.
هذا النمو في فاتورة الفوائد يُعتبر تحدياً كبيراً أمام خطط الحكومة المصرية لتقليل عجز الموازنة وتحقيق استدامة مالية في المستقبل.
تضاعف العجز الكلي للموازنة
أعلن وزير المالية أحمد كجوك في مؤتمر صحفي اليوم عن تضاعف العجز الكلي للموازنة العامة للدولة في العام المالي 2024-2025، ليصل إلى 1.26 تريليون جنيه، مقارنة بحوالي 505 مليارات جنيه في العام المالي 2023-2024.
وأوضح كجوك أن هذا التضاعف جاء نتيجة للضغط الكبير من فوائد الديون التي تلتهم معظم إيرادات الميزانية.
وفي العام المالي الماضي 2024-2025، بلغت إيرادات الميزانية حوالي 2.63 تريليون جنيه، منها 2.2 تريليون جنيه إيرادات ضريبية، بينما بلغت المصروفات نحو 3.89 تريليون جنيه.
إنجاز تاريخي: أعلى فائض أولي على الإطلاق
رغم التحديات المالية الكبيرة، أعلن كجوك أن العام المالي 2024/2025 شهد تحقيق أعلى قيمة فائض أولي في تاريخ الموازنة العامة للدولة، ليصل إلى نحو 629 مليار جنيه (3.6% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقارنة بفائض أولي بلغ 350 مليار جنيه في العام المالي السابق، بمعدل نمو سنوي يقارب 80%.
وأوضح الوزير أن هذا الإنجاز تحقق رغم الصدمات الخارجية التي واجهتها الموازنة، وعلى رأسها تراجع إيرادات قناة السويس بنحو 60% عن المستهدف، وهو ما ترتب عليه خسائر للموازنة بقيمة تصل إلى 145 مليار جنيه.
النمو الاقتصادي يتسارع
حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر نمواً بنسبة 4.5% في السنة المالية 2024-2025، متجاوزاً المستهدف الأولي البالغ 4%. كما شهد الربع الثالث من العام المالي نمواً بنسبة 4.77%، وهو أعلى معدل نمو ربعي في ثلاث سنوات.
القطاعات الرائدة في النمو:
القطاع الصناعي: شهد مؤشر الإنتاج الصناعي (باستثناء النفط الخام والمنتجات البترولية) نمواً بنسبة 16.03% في الربع الثالث من العام المالي 2024/2025، مدفوعاً بارتفاعات قوية في صناعات رئيسية مثل السيارات (+93%) والملابس الجاهزة (+58%) والمشروبات (+34%).
قطاع السياحة: حقق نمواً بنسبة 23%، مدعوماً بوصول 4 ملايين زائر.
قطاع الاتصالات: سجل نمواً بنسبة 14.7%.
الإيرادات الضريبية: نمت بنسبة 35% سنوياً، وهو أعلى معدل نمو يتم تسجيله منذ سنوات، دون فرض أي ضرائب جديدة.
تحسن مؤشرات الدين رغم التحديات
رغم ارتفاع العجز الكلي، أظهرت المؤشرات الأولية تراجع دين أجهزة الموازنة من 89.4% في يونيو 2024، إلى 85.6% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2025.
وأوضح كجوك أن هذا التراجع يعود إلى “تنويع وتحسن النشاط الاقتصادي” و“مسار الشراكة مع مجتمع الأعمال”، وهو ما ساعد في التعامل مع تراجع إيرادات قناة السويس وقطاع الطاقة.
كما أكد أن حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة تراجع بمقدار 4 مليارات دولار خلال عامين، ما يعني أن مصر “سددت أكثر مما اقترضت”.
الاستثمار في الحماية الاجتماعية والتعليم
أكد كجوك أن تحقيق فائض أولي بنسبة 3.6% سمح بزيادة الإنفاق على القطاعات الحيوية، وتم صرف:
برامج الدعم الاجتماعي:
642 مليار جنيه على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية للمواطنين الأكثر احتياجاً، بزيادة سنوية بلغت 12%
165.4 مليار جنيه لدعم السلع التموينية
43.2 مليار جنيه لبرامج “تكافل وكرامة”
142 مليار جنيه لصناديق المعاشات
الاستثمار في التعليم:
18.6 مليار جنيه إجمالي الاستثمارات في التعليم
4 مليارات جنيه للاستعانة بنحو 160 ألف معلم جديد بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم
6.9 مليار جنيه لطباعة الكتب المدرسية
7.2 مليار جنيه لبرامج التغذية المدرسية بزيادة 27%، لتوفير وجبات لنحو 15.6 مليون طالب
التحديات الاقتصادية المستمرة
واجهت الموازنة المصرية عدة تحديات خلال العام المالي:
أزمة قناة السويس:
خسارة 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس بسبب اضطرابات البحر الأحمر
تراجع الإيرادات بنحو 60% عن المستهدف
قطاع الطاقة:
تدهور صافي علاقة الخزانة مع القطاع البترولي بسبب السداد المعجل لمستحقات قطاع البترول
سداد جزء من التزامات قطاع الكهرباء، بما كلف الموازنة العامة نحو 140 مليار جنيه إضافية
تخصيص 440 مليار جنيه للتعامل مع مشكلات الطاقة وتدبير المواد البترولية
استراتيجية التمويل المستقبلية
كشف الوزير عن خطط مستقبلية تشمل:
التسهيلات الضريبية:
إطلاق حزمة من التسهيلات الضريبية سيتم إقرارها وتنفيذها خلال الأسابيع المقبلة
حوافز تشجيعية مرتبطة بالقيد في البورصة، بالتعاون مع هيئة الرقابة المالية
أدوات التمويل الجديدة:
إصدار سندات تجزئة للأفراد لتوفير أدوات ادخار جديدة للمواطنين
صكوك إسلامية بالجنيه المصري خلال العام المالي الحالي
خطط لإصدار 4 مليارات دولار في السندات الدولية في 2025
تقييم الخبراء والتوقعات المستقبلية
أشار الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إلى أن كل خفض بمعدل الفائدة بنسبة 1% يمكن أن يوفر نحو 80 مليار جنيه من أعباء خدمة الدين في الموازنة العامة، موضحاً أن خفض الفائدة بنسبة 2% قد يحقق وفورات تصل إلى 160 مليار جنيه.
وأكد أن الوضع الاقتصادي العام مستقر، خاصة فيما يتعلق بموارد الدولة الدولارية، مشيراً إلى أن مصر سجلت أعلى مستوى من الموارد الدولارية في تاريخها في يوليو بحوالي 8.5 مليار دولار.
واردات القمح وتحسن الأوضاع
في سياق متصل، أعلن كجوك عن انخفاض واردات القمح بأكثر من 21%، حيث استوردت مصر 4.5 مليون طن من القمح بتكلفة 1.2 مليار دولار خلال السنة المالية 2024-2025، مقارنة بـ5.8 مليون طن في العام السابق.










