فيضان النيل الأزرق في طريقه إلى السودان ومصر بعد امتلاء سد النهضة بـ64 مليار متر مكعب
مع امتلاء بحيرة سد النهضة بنحو 64 مليار متر مكعب ونحن ما زلنا في منتصف موسم الفيضان، تتدفق مياه النيل الأزرق في طريقها إلى السودان ومصر بمعدل يومي يبلغ 400 مليون متر مكعب. هذا التطور الحاسم يأتي في ظل استمرار الأمطار على الهضبة الإثيوبية والتي تشكل 85% من إيراد نهر النيل, مما ينذر بتغيرات جوهرية في إدارة الموارد المائية لدول حوض النيل.
وضع سد النهضة الحالي واقترابه من السعة القصوى
يقترب سد النهضة من تحقيق السعة التخزينية القصوى البالغة 74 مليار متر مكعب, حيث وصل حالياً إلى منسوب 637 متراً فوق سطح البحر بسعة تخزينية تقارب 69 مليار متر مكعب. ومن المتوقع أن يبلغ السعة القصوى عند 640 متراً في منتصف سبتمبر المقبل, وهو الموعد الذي تخطط فيه إثيوبيا للإعلان عن الافتتاح الرسمي للسد.
أعلن وزير الري الإثيوبي هبتامو أتفا اكتمال جميع مراحل بناء وتعبئة سد النهضة, مؤكداً أن بلاده تستعد لتنظيم احتفال وطني لتدشين هذا المشروع الاستراتيجي. وأوضح الوزير أن السد يمثل مشروعاً تكاملياً بين دول المنبع والمصب, مشدداً على أنه أداة للتعاون وتبادل المنافع وإنهاء الخلافات وليس سبباً للنزاع.
آليات تصريف المياه من سد النهضة ومساراتها المتعددة
تمر مياه الفيضان عبر سد النهضة من خلال ثلاث طرق رئيسية محددة بدقة. أولاً، التوربينات وعددها الكلي 13 منها 8 على الجانب الأيمن و5 على الجانب الأيسر، وإن كان العدد الذي تم تركيبه فعلياً غير معلوم تماماً. ثانياً، بوابات المفيض وعددها 6 في العلوي و2 في المنخفض. ثالثاً، المفيض العلوي بدون بوابات في السد الرئيسي (الممر الأوسط) والسد المكمل عند منسوب 640 متراً.
نظراً لانخفاض الأمطار في النصف الأول من الموسم، فتحت إثيوبيا مؤخراً بوابات المفيض العلوي لمدة يومين للتخلص من جزء من مخزون البحيرة بدون إنتاج كهرباء. وتجري حالياً محاولات تركيب وتجربة بعض التوربينات وهي المصدر الرئيسي حالياً لتصريف المياه اليومية التي تتراوح بين 300-400 مليون متر مكعب.
في حالة عودة الأمطار لمعدلاتها أو وقف تدفق المياه من خلال أنفاق التوربينات، سيتم فتح بعض بوابات المفيض. كما أوضح الخبراء أن التشغيل الكلي للسد يستلزم تمرير حوالي 4 مليارات متر مكعب شهرياً من المياه (48 مليار متر مكعب سنوياً), مما يضمن تدفقاً شهرياً منتظماً للسودان بمقدار 4 مليارات متر مكعب.
التأثير المباشر على السودان وسد الروصيرص
شهد السودان تطورات غير مسبوقة في إدارة فيضان النيل الأزرق هذا العام. انحسرت مياه النيل الأزرق في السودان بصورة غير مسبوقة، مما أدى إلى ظهور جزر في مجراه, وهو أمر غير معتاد حيث لم تشهد البلاد فيضان النيل الأزرق كما كان الحال في موسم الخريف من كل عام.
ومع ذلك، تم تخزين جزء من المياه المتدفقة في السودان مما أدى إلى زيادة مبكرة في مخزون بحيرة سد الروصيرص ذات السعة التخزينية 6 مليار متر مكعب. أعلنت السلطات السودانية فتح العديد من بوابات سد الروصيرص, مما ساهم في رفع مستوى النيل في العاصمة الخرطوم.
أدى ذلك إلى بدء فيضان النيل الأبيض السنوي في 13 سبتمبر، وهو تأخير ملحوظ مقارنة بالعادة, حيث يفيض النيل الأبيض عادةً في أغسطس من كل عام. يُعزى هذا التأخير إلى حجز مياه النيل الأزرق وانخفاض منسوب النيل في الخرطوم منذ بداية يوليو وحتى الأسبوع الثاني من سبتمبر.
توقعات بحيرة ناصر والوضع المائي في مصر
من المتوقع زيادة منسوب بحيرة ناصر هذا الأسبوع مع وصول مياه الفيضان من السودان. سجل منسوب بحيرة ناصر 177.67 متر فوق سطح البحر في 2025, وهو مستوى يعكس تأثير عمليات ملء سد النهضة على التدفقات المائية جنوباً.
استفادت مصر بشكل استثنائي من الحرب في السودان، حيث حصلت بحيرة ناصر على 90% من حصة السودان منذ أبريل 2023, مما أضاف حوالي 25 مليار متر مكعب. أوضح الخبراء أن المنسوب الحقيقي للبحيرة كان سيقل بمقدار 7.5 أمتار لو كان السودان يعيش في استقرار سياسي.
أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الفيضانات الإثيوبية لن تضر مصر بل ستدعم تدفق المياه. وأشار إلى أن نهر النيل يعتمد بنسبة 85% من إيراده على مياه الأمطار القادمة من الهضبة الإثيوبية, في حين لا تتجاوز مساهمة بحيرة فيكتوريا 15%.
تحديات إدارة فيضان النيل في ظل سد النهضة
تواجه دول حوض النيل تحديات معقدة في إدارة فيضان النيل في ظل سد النهضة. باتت دورات الفيضان والجفاف في السودان مرتبطة بشكل مباشر بتوقيتات الملء والتفريغ في السد الإثيوبي, مما يحوّل إدارة المياه من ملف فني بحت إلى قضية سياسية بامتياز.
يُبدي الجانب السوداني تحفظاته حول تدفق المعلومات من الجانب الإثيوبي بخصوص عمليات الملء والتشغيل, حيث لا توجد أرقام دقيقة حتى الآن عن الحجم الفعلي للمياه المخزنة داخل بحيرة السد. هذا النقص في الشفافية يثير الشكوك بعدم تمرير المياه خلال موسم الجفاف.
تشير الاحتمالات إلى أن المنطقة ستشهد ارتفاعاً فوق المعتاد في معدلات هطول الأمطار بحسب مركز التنبؤات المناخية والتطبيقات التابع للإيقاد يصل إلى 55%. هذا ينذر بكارثة حقيقية على السودان، بحدوث فيضانات مدمرة على المدن والقرى الواقعة على ضفاف النيل الأزرق وصولاً إلى الخرطوم.
آثار طويلة المدى على دول حوض النيل
من واقع التدفقات المائية لعام 2025، أثبتت منظومة السدود السودانية قدرتها على إدارة فيضان نهر النيل الأزرق بكفاءة عالية, رغم المتغيرات الإقليمية المعقدة. مع بلوغ الإيرادات المائية ما يقارب 98 مليار متر مكعب، وهي كمية تفوق المتوسط التاريخي للنهر, حافظ مجرى النيل على استقراره دون تسجيل فيضانات كارثية.
في جميع الأحوال، سواء بمرور المياه من خلال أنفاق التوربينات أو من بوابات المفيض، فإنها تتدفق إلى السودان ومصر. يمر الجزء الأكبر في اتجاهه إلى مصر، مما يؤكد أن التشغيل الكلي لسد النهضة سيضمن للسودان تدفقاً شهرياً منتظماً وفوائد متعددة مثل زيادة كفاءة توليد الكهرباء للسدود السودانية والمكاسب في مجالات الزراعة والأمن الغذائي.
إن التدفق المنتظم لمياه النيل الأزرق يضمن للسودان الاستفادة الكاملة من حصته المائية، والتي تُفقد سنوياً لمصلحة مصر بسبب غياب مواعين التخزين الكافية. يبلغ مجموع إيراد النيل الأزرق ورافديه حوالي 49 مليار متر مكعب، إلا أن 41 مليار متر مكعب منها (80%) يتدفق خلال موسم الفيضان, مما كان يجعل استغلالها كلياً أمراً مستحيلاً قبل سد النهضة.










