في مشهد يعكس التناقضات الصارخة في الأولويات، بينما يقف ملايين السوريين في طوابير طويلة للحصول على ربطة خبز قد تكلف 7000 ليرة سورية (2.3 دولار)، تنفق الحكومة الانتقالية السورية على استقبالات فارهة للضيوف بخدمات VIP وسيارات فاخرة.
وجاء استقبال سلطة الشرع ، البلوغر السورية لمى الأصيل في مطار دمشق بسيارة فارهة وتذاكر VIP من أجواء مؤتمر “سكريبت” الذي تنظمه وزارة الإعلام تحت شعار “مؤثرون من أجل سوريا” في محافظة حلب، لتلميع وغسل سمع تاريخ هيئة تحرير الشام الحاكم الأن في سوريا.
وبرزت لمى الأصيل كأحد الأسماء المؤثرة في العقد الأخير. بين إذاعة أنشأتها من الصفر، وسكيتشات كوميدية انتشرت كالنار في الهشيم، أصبحت لمى – وهي سورية الأصل، سعودية النشأة، أمريكية الجنسية – صوتا مألوفا لمئات الآلاف من العرب حول العالم، وخصوصا في الولايات المتحدة.
طوابير الجوع في جميع أنحاء سوريا
تشهد جميع المحافظات السورية أزمة خبز حادة تتمثل في طوابير طويلة يقف فيها المواطنون لساعات طويلة للحصول على احتياجاتهم الأساسية.
وفي محافظة حمص، يقف أحمد مازوني، وهو عامل مياومة، في طابور طويل أمام أحد الأفران، ينتظر دوره ليحصل على ربطة خبز، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وتختلف أسعار الخبز في سوريا حسب النوع والمصدر الخبز المدعوم (برنامج الأغذية العالمي) يبلغ سعره 2400 ليرة للربطة (1200 غرام)، بينما الخبز العادي يتراوح سعره 4000-7000 ليرة للربطة، فيما يصل الخبز من الباعة المتجولين إلى 7000 ليرة للمستعجلين.
أرقام صادمة للفقر والجوع
بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP)، فإن أكثر من نصف السكان “باتوا يعانون من تراجع الأمن الغذائي” في بلد يرزح تحت وطأة نزاعات طويلة ومشكلات اقتصادية خانقة.
ويشير التقرير إلى أن نحو 3 ملايين شخص في سوريا “مهددون بانعدام الأمن الغذائي الحاد”، في وقت يعيش أكثر من 7 ملايين نازح داخلي.
يحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 335 مليون دولار لتمويل عملياته الطارئة والإنعاشية في سوريا لعام 2025، بينما يقدم مساعدات شهرية لنحو 1.5 مليون شخص فقط.
التناقض الصادم: خدمات VIP مقابل طوابير الجوع
بينما يقف السوريون العاديون في طوابير طويلة للحصول على الخبز الأساسي، تنفق الحكومة الانتقالية على خدمات VIP وسيارات فارهة لاستقبال الضيوف في مطار دمشق.
تكلفة رحلة سياحية لـ3 أيام تبلغ 287,000 ليرة سورية (90 دولار)، وهو ما يعادل 4 أضعاف الحد الأدنى للأجور.
وتتراوح تكاليف الرحلات السياحية في سوريا من 450 دولار لبرنامج اقتصادي 5 أيام، و750-900 دولار لعروض العائلات 7-8 أيام، و1200-1500 دولار للعروض الذهبية الفاخرة
عائلة من 5 أفراد تحتاج إلى 1.5 مليون ليرة سورية للسياحة، وهو مبلغ يتجاوز متوسط الدخل الشهري الشائع في مناطق سيطرة الحكومة لسنة كاملة.
برامج المساعدات الدولية: قطرة في محيط
وأطلق برنامج الأغذية العالمي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد السورية برنامجاً جديداً لدعم إنتاج الخبز، يستهدف 64 مخبزاً في 6 محافظات. البرنامج يهدف لخدمة 2 مليون مواطن بخبز مدعوم بسعر 2400 ليرة للربطة.
للخبز مكانة خاصة وعتيقة بين السوريين، فقد ترى بعض الطعام الفاسد في القمامة، لكن معظمهم سيأخذون قطعة الخبز المرمية أرضاً، يقبلونها، ويضعونها في مكان مرتفع عن الأرض كي لا تدوسها الأقدام.
وتعبير “مو شبعانين الخبز” للدلالة على الفقر يشرح معياراً سورياً خاصاً: أن تشبع الخبز يعني أن تحافظ على كرامة ما.
بين الضرورة والترف
بينما تحتاج سوريا إلى 335 مليون دولار لبرامج الغذاء الطارئة، تنفق الحكومة على خدمات الضيافة الفاخرة والسيارات الفارهة لاستقبال الضيوف. تكلفة رحلة سياحية واحدة (287,000 ليرة) تكفي لشراء الخبز لعائلة لمدة شهر كامل.
يعكس التناقض بين طوابير الخبز والسيارات الفارهة أزمة أولويات في الحكومة السورية الانتقالية. بينما 3 ملايين سوري مهددون بالجوع و7 ملايين نازح يكافحون من أجل البقاء، تستمر الإنفاق على الترفيه والضيافة الفاخرة.
رمزية الخبز عند السوريين كـمعيار للكرامة تصطدم بواقع الطوابير الطويلة والأسعار المرتفعة، بينما أموال الدولة تُنفق على خدمات VIP واستقبالات فارهة.
هذا التناقض الصارخ يطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة توزيع الموارد وأولويات الحكم في سوريا الجديدة، وما إذا كانت الحكومة الانتقالية تدرك حجم المعاناة الشعبية أم أنها منشغلة بالمظاهر على حساب الضروريات الأساسية للمواطنين.










