شهدت مدينة مثيانق، المركز الإداري لمقاطعة لونقشوك في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان، معارك دامية يوم الاثنين الثاني من سبتمبر 2025، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات دفاع شعب جنوب السودان (SSPDF) والجناح المسلح لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان – المعارضة (SPLA-IO)، بمساندة من مسلحين محليين يُعرفون بـ“الجيش الأبيض”.
تفاصيل المواجهات المسلحة في مثيانق
وفقاً لتصريحات اللواء كور شول قيت، قائد قوات SSPDF في لونقشوك، فإن الاشتباكات اندلعت فجر الاثنين عندما شنت قوات المعارضة هجوماً منسقاً على مواقع الجيش الحكومي في مثيانق. استمرت المعارك لمدة ثلاث ساعات متواصلة قبل أن تتمكن القوات الحكومية من صد الهجوم وإجبار المهاجمين على التراجع.
وأسفرت هذه الاشتباكات الدامية عن سقوط ضحايا من الجانبين، حيث أعلن اللواء قيت استشهاد 4 جنود حكوميين وإصابة 8 آخرين، إضافة إلى إصابة طفل برصاصة طائشة. كما زعم قتل 16 مقاتلاً من المعارضة وأسر ضابطين من قوات SPLA-IO، أحدهما برتبة رائد، حيث تم نقلهما إلى العاصمة جوبا لاستجوابهما.
موقف المعارضة المسلحة من الأحداث
في المقابل، أصدرت قوات المعارضة المسلحة بياناً عسكرياً وقعه الناطق الرسمي العقيد لام بول غابرييل، أكدت فيه تنفيذ “هجوم دقيق وسريع” على مواقع الجيش في مثيانق. وزعمت قوات SPLA-IO إلحاق “خسائر بشرية ومادية جسيمة” بالقوات الحكومية قبل الانسحاب التكتيكي من المنطقة.
وأشار البيان أيضاً إلى وقوع معارك متزامنة في مناطق أخرى، بما في ذلك ووناليت بمقاطعة جوبا وتونجا في ولاية أعالي النيل، مؤكداً مقتل 7 جنود حكوميين بينهم عقيد خلال هذه المواجهات الأخيرة.
تضارب في المواقف المحلية
أكد محافظ مقاطعة لونقشوك الحالي توت ليث كونق وقوع القتال، موضحاً أنه كان على اتصال مباشر مع قيادة الجيش أثناء سير الاشتباكات. وفي تطور مثير للجدل، اتهم اللواء قيت المحافظ السابق للمقاطعة بالمشاركة في الهجوم، دون تقديم أدلة ملموسة، ما أثار تساؤلات حول الخلفيات السياسية للنزاع.
السياق الأوسع للصراع في جنوب السودان
تسلط هذه الاشتباكات الدامية الضوء على هشاشة الوضع الأمني في ولاية أعالي النيل، التي تعتبر إحدى أكثر بؤر التوتر في البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013. ورغم توقيع اتفاق السلام المنشط في عام 2018، فإن استمرار المعارك بين الجيش والمعارضة المسلحة، إلى جانب انخراط المليشيات المحلية مثل “الجيش الأبيض”، يعكس فشل الترتيبات الأمنية وتعثر جهود دمج القوات.
تحديات تنفيذ اتفاق السلام
يواجه اتفاق السلام لعام 2018 بين الرئيس سلفا كير وزعيم المعارضة رياك مشار تحديات جسيمة في التنفيذ. فقد كان من المفترض أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى وقف أعمال العنف وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الواقع على الأرض يشير إلى استمرار التوترات والمواجهات المسلحة في مناطق مختلفة من البلاد.
دور “الجيش الأبيض” في الصراع
يلعب “الجيش الأبيض”، وهو ميليشيا محلية مكونة من الشباب المسلح، دوراً محورياً في تعقيد المشهد الأمني. هذه المجموعة، التي تنتمي في الغالب لقبيلة النوير، تعمل بشكل شبه مستقل وتتحالف أحياناً مع قوات المعارضة، ما يجعل السيطرة على الوضع الأمني أكثر صعوبة بالنسبة للحكومة المركزية.
تداعيات الصراع على المدنيين
تؤثر هذه النزاعات المسلحة المستمرة بشكل كبير على الحياة المدنية في المنطقة. فقد أدت الاشتباكات إلى نزوح آلاف المدنيين من منازلهم خوفاً على حياتهم، كما تعطلت أنشطة الزراعة والتجارة في منطقة كانت تعتمد بشكل أساسي على هذه الأنشطة الاقتصادية.
آفاق المستقبل والتحديات القادمة
يرى مراقبون سياسيون أن هذه التطورات الأخيرة تنذر بفتح جبهات قتال جديدة، وتقوض آمال الانتقال السياسي السلمي في البلاد. في وقت تواجه فيه الحكومة في جوبا ضغوطاً متزايدة من الداخل والخارج لتعزيز الاستقرار وتنفيذ بنود اتفاق السلام.
كما تثير هذه الأحداث تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة الانتقالية على السيطرة على الوضع الأمني وتوحيد القوات المسلحة، وهو ما يعتبر شرطاً أساسياً لنجاح العملية السياسية وإجراء الانتخابات المقررة.










