في تطور مهم للعلاقات الإسرائيلية-المصرية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر 2025 تجميد اتفاقية الغاز الضخمة مع مصر البالغة قيمتها 35 مليار دولار. هذا القرار جاء بعد اتهام إسرائيل لمصر بانتهاك اتفاقية السلام لعام 1979 من خلال زيادة الوجود العسكري في سيناء وإنشاء أنفاق في المنطقة.
وفقا للتقارير الإعلامية العبرية، ربط نتنياهو استئناف المحادثات بـ”ضمانات مصرية واضحة للالتزام الكامل بتعهداتها في إطار اتفاقية السلام”. هذا التصعيد يأتي في وقت تواجه فيه مصر أزمة طاقة حادة تجعلها تعتمد بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي.
حجم الاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي
تواجه مصر تراجعا حادا في إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي، حيث انخفض من 71 مليار متر مكعب في 2021 إلى 45 مليار متر مكعب في 2024. هذا الانخفاض، المقترن بارتفاع الطلب المحلي، خلق عجزا يقدر بحوالي 12.5 مليار متر مكعب سنويا.
يشكل الغاز الإسرائيلي حاليا نحو 15-20% من إجمالي استهلاك مصر للغاز، ويصل إلى حوالي 60% من إجمالي واردات الغاز المصرية. هذا الاعتماد الكبير يجعل مصر عرضة للضغوط السياسية الإسرائيلية، خاصة في ظل استخدام الطاقة كأداة للابتزاز السياسي.
التأثير على قطاع الكهرباء
يشكل الغاز الطبيعي أكثر من 60% من إنتاج الكهرباء في مصر. وقف إمدادات الغاز الإسرائيلي قد يؤدي إلى انقطاع الكهرباء على نطاق واسع، خاصة في المدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية.
والاضطرار لاستخدام وقود أكثر تكلفة وتلويثا مثل الديزل وزيت الوقود، وزيادة الضغط على الشبكة الكهربائية التي تعاني أصلا من مشاكل في فصل الصيف
التأثير على الاقتصاد المصري
إيقاف إمدادات الغاز سيضرب القطاعات الاقتصادية الحيوية الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة: قطاعات الأسمدة والبتروكيماويات والتصنيع ستواجه تكاليف تشغيل أعلى أو تخفيضات في الإنتاج
وقطاع تصدير الغاز المسال توقف عمليات محطتي الإدكو ودمياط للتسييل، مما يقلل من مصادر النقد الأجنبي، وانقطاع الكهرباء قد يضر بالقطاع السياحي الحيوي في ظل درجات الحرارة المرتفعة
السيناريوهات المحتملة لرد القاهرة
السيناريو الأول: التنويع السريع لمصادر الطاقة
تعمل مصر بالفعل على استراتيجية تنويع مصادر الطاقة تشمل الشراكات الجديدة مع دول المنطقة، حيث تم استئناف المحادثات مع قطر لاستيراد الغاز المسال بعد توقف دام منذ 2013
كما دعم استكشاف الغاز في الجزائر وليبيا إمكانيات الاستيراد من دول شمال أفريقيا.
وقد تدخل مصر فيمفاوضات لإنشاء محطات غاز مسال روسية على الأراضي المصرية.
مشاريع البحر المتوسط
ربط حقول قبرص (“كرونوس” و”أفروديت”) بمرافق حقل “ظهر” بطاقة 1.3 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2028
وبدء استقبال 500 مليون قدم مكعب يوميا من حقل “كرونوس” قبل نهاية 2027
السيناريو الثاني: الاستثمار في الطاقة المتجددة
تستهدف مصر أن تشكل الطاقة المتجددة 42% من إجمالي طاقة الكهرباء بحلول 2030، وهي 22% للطاقة الشمسية، و14% لطاقة الرياح، و4% للطاقة الشمسية الحرارية، و2% للطاقة المائية.
السيناريو الثالث: زيادة الإنتاج المحلي
تسعى مصر لزيادة إنتاجها المحلي من 4.1 مليار قدم مكعب يوميا حاليا إلى 6.6 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2027.
هذا يتطلب تسوية المتأخرات مع الشركات الأجنبية (دفعت مصر 8.5 مليار دولار منذ يونيو 2024)، وتحفيز الاستكشاف في المياه العميقة في البحر المتوسط والبحر الأحمر
السيناريو الرابع: الاعتماد على الغاز المسال
تمتلك مصر حاليا ثلاث سفن عائمة لإعادة التغويز بطاقة إجمالية تبلغ 2.25 مليار قدم مكعب يوميا، مع توقع وصول سفينة خامسة إلى ميناء دمياط. هذه السفن توفر مرونة في مواجهة انقطاع الإمدادات من أي مصدر، وقدرة على التعامل مع تقلبات السوق العالمية للغاز المسال
التداعيات السياسية والدبلوماسية
التصعيد مع إسرائيل
استخدام نتنياهو للغاز كأداة ضغط سياسي يمثل سابقة خطيرة قد تدفع مصر إلى إعادة النظر في اتفاقيات الطاقة مع إسرائيل.
كما ان التهديد بتعليق جوانب من معاهدة السلام كما حدث في فترات سابقة، وتقوية التحالفات مع دول أخرى في المنطقة لتقليل الاعتماد على إسرائيل
التأثير على العلاقات الإقليمية
قد يؤدي التصعيد إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج، خاصة قطر والإمارات، وتقوية الشراكات مع الجزائر وليبيا في مجال الطاقة، وإعادة تقييم الدور المصري كمحور طاقة إقليمي
التحديات والمخاطر
رغم الجهود المبذولة للتنويع، تواجه مصر تحديات كبيرة ارتفاع فاتورة استيراد الغاز المسال والمنتجات البترولية بنسبة 60% في 2025 إلى 20 مليار دولار، وضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي، وتأثيرات على استقرار الجنيه المصري.
في النهاية، قد يؤدي هذا التصعيد إلى إعادة تشكيل خريطة الطاقة في شرق البحر المتوسط، مع تقليل النفوذ الإسرائيلي وتعزيز دور مصر كمحور طاقة مستقل أكثر في المنطقة










