في خطوة تعتبرها موسكو انتصاراً محورياً في مسار الصراع العسكري الذي امتد لأكثر من عامين في شرق أوكرانيا، أعلن الجيش الروسي رسمياً، الأربعاء، استكمال تحرير كامل أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية، أحد أبرز معاقل الانفصاليين المدعومين من روسيا ومنطلق العمليات العسكرية الروسية منذ مطلع الأزمة الأوكرانية.
وفق توضيحات وزارة الدفاع الروسية، فإن وحدات مجموعة قوات “الشرق” الروسية أتمت السيطرة الكاملة على المناطق الواقعة ضمن نطاق عملها في جمهورية دونيتسك الشعبية. ويأتي هذا الإنجاز الميداني بعد سلسلة من العمليات العسكرية المكثفة والاشتباكات الضارية، تزامناً مع تكبيد القوات الأوكرانية خسائر بشرية ومادية كبيرة، وفق النشرات اليومية الصادرة عن قيادات الجيش الروسي.
تفاصيل الموقف الميداني
بحسب البيانات الرسمية الروسية:
تمكنت القوات المسلحة الروسية مؤخراً من تحرير قرية نوفوسيلوفكا بمنطقة زابوروجيه المجاورة.
وحدات “الشرق” الروسية كبدت الجانب الأوكراني أكثر من 240 جندياً خلال الساعات الـ24 الأخيرة، إضافة إلى خسائر ضخمة في المعدات العسكرية.
مجموعة قوات “الشمال” حسّنت مواقعها التكتيكية في مناطق سومي وخاركوف، وأسفرت عملياتها عن خسائر وصلت إلى 180 جندياً أوكرانياً.
أما قوات “المركز”، فقد أحرزت تقدماً استراتيجياً جديداً وكبدت القوات الأوكرانية 440 جندياً.
قوات “الغرب” و”الجنوب” و”دنيبر” واصلت هجماتها ومناوراتها على خطوط الجبهة، ليتجاوز إجمالي الخسائر الأوكرانية 1,300 جندي خلال الـ24 ساعة الأخيرة فقط، حسب البيانات الروسية الرسمية.
هذا التقدم الميداني للجيش الروسي، وعلى الرغم من استمرار العمليات في بعض الجيوب والمواقع الثانوية، يمثل نقطة تحول كبرى لصالح موسكو وأذرعها الانفصالية، ويضع القيادة الأوكرانية أمام تحديات عسكرية وسياسية متزايدة وسط استمرار الدعم الغربي والحديث عن تصعيد محتمل في جبهات القتال الأخرى.
ردود الفعل والتحليل السياسي
يرى محللون أن “تحرير دونيتسك بالكامل” يرسخ مكاسب موسكو في شرق أوكرانيا، ويعزز موقفها التفاوضي إذا ما تكرر الحديث عن وساطات أو مبادرات سلام في الفترة القادمة. ففي ظل تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي تؤكد استمرار أهداف “العملية العسكرية الخاصة”، تبدو مؤشرات التقارب بعيدة، خصوصاً مع تشدد الخطاب الأوكراني ورفض كييف أي تنازل إقليمي لصالح موسكو.
وفي الوقت ذاته، أبدت مصادر عسكرية وأمنية غربية قلقها من إمكانية انتقال الضغط العسكري الروسي إلى مقاطعات زابوروجيه وخاركوف وسومي، مما ينذر بموجات نزوح جديدة وتصعيد غير مسبوق في خارطة الصراع شرق أوروبا.
انعكاسات ميدانية وإنسانية
تحرير كافة أراضي دونيتسك، وما تبعه من تغيرات على الجبهات، دفع آلاف الأسر إلى النزوح من المناطق الساخنة بحثاً عن ملاذ آمن، وسط تقارير أممية تحذر من تدهور الظروف الإنسانية في العمق الأوكراني. المنظمات الدولية أكدت أن موجات النزوح الأخيرة هي الأكبر منذ بداية الصيف، فيما تتسارع خطى الدعم الأوروبي والغربي بالتوازي مع تصعيد موسكو لعملياتها العسكرية.
وفيما تواصل القوات الروسية تقدمها، تشير مصادر روسية إلى أنه يتم العمل حالياً على تثبيت خطوط دفاعية متقدمة في المناطق المحررة، استعداداً لأية هجمات مضادة أو عمليات استرداد قد تشنها القوات الأوكرانية مستقبلاً.
ختام
يضع إعلان الجيش الروسي تحرير كامل أراضي دونيتسك الشعبية العالم أمام فصل جديد من فصول الحرب الأوكرانية، حيث تتقاطع تداعيات الموقف العسكري مع قراءات سياسية دولية تترقب تأثير هذا الإنجاز على مجريات النزاع وعلى التوازن الإقليمي والدولي، وسط أجواء مشحونة لا تزال تحمل الكثير من الغموض حول مستقبل الأزمة التي تُعيد رسم خريطة أوروبا من جديد.










