منذ عقود والصومال يقف عند تقاطع طرق حاسم بين مصالح القوى الإقليمية والدولية.
فكل خطوة عسكرية أو سياسية تُتخذ على أرضه تتحول سريعًا إلى جزء من لعبة أوسع لتوازنات النفوذ في القرن الإفريقي.
واليوم، ومع إعلان الاتحاد الإفريقي عن توسيع نطاق بعثته الأمنية في الصومال (AUSSOM)، دخل اسم مصر على خط هذه المعادلة.
خطوة أعادت خلط الأوراق وأثارت نقاشًا واسعًا حول مستقبل الدور الخارجي في بلد يعاني أصلًا من تحديات الأمن والاستقرار.
(التحرك المصري نحو مقديشو)
القاهرة أعلنت استعدادها لإرسال قوات عسكرية ضمن إطار البعثة الإفريقية.
وأكدت أن هذه المشاركة تأتي في إطار التزامها التاريخي بأمن القارة ومسؤوليتها المشتركة تجاه الاستقرار.
لكن هذا الإعلان لم يمر بهدوء.
إذ واجه اعتراضًا مباشرًا من أديس أبابا، التي اعتبرت أن دخول القوات المصرية إلى الساحة الصومالية خطوة تمس جوهر التوازنات الاستراتيجية في القرن الإفريقي.
(الاعتراض الإثيوبي وأبعاده)
إثيوبيا ليست طرفًا عابرًا في الملف الصومالي.
فقد شاركت لعقود بقوات فعّالة في مواجهة حركة الشباب داخل الأراضي الصومالية.
وترى أن دخول مصر على الخط ليس مجرد تعزيز أمني لمقديشو، بل رسالة رمزية ذات صلة بخلافاتها مع القاهرة، خاصة في ظل ملف سد النهضة الذي يثقل العلاقات بين البلدين.
ومن هنا، فإن الاعتراض الإثيوبي لم يكن مجرد موقف سياسي عابر، بل تحذير من إعادة تشكيل الخريطة الأمنية في المنطقة.
(موقف الحكومة الفيدرالية الصومالية)
الحكومة الصومالية وجدت نفسها أمام معادلة معقدة.
فهي من جهة بحاجة إلى أي دعم يعزز قدراتها في مواجهة الإرهاب الذي أنهك البلاد.
ومن جهة أخرى لا تستطيع تجاهل حساسية إثيوبيا، بما لها من أوراق ضغط عسكرية وسياسية داخل الصومال.
لهذا جاء خطاب مقديشو متوازنًا.
رحّب بمشاركة مصر في إطار التعاون الإفريقي، لكنه في الوقت ذاته شدد على أهمية التشاور وحسن الجوار مع أديس أبابا.
(الصومال بين الحسابات المتقاطعة)
النقاش لم يعد محصورًا في حدود الميدان العسكري.
بل اتسع ليشمل سؤالًا أكبر:
هل سيتحول الصومال إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات بين القاهرة وأديس أبابا؟
وهل تضمن الحكومة الفيدرالية أن الوجود المصري لن يفتح الباب لصراع نفوذ، بدلًا من توحيد الجهود ضد حركة الشباب؟
(رؤية كاتب صومالي)
من منظور صومالي، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا.
فالبعض يرى في دخول مصر مكسبًا استراتيجيًا يندرج ضمن سياسة “تنويع الشركاء”.
بينما يعتقد آخرون أن الأولوية ليست تعدد الحلفاء، بل ضمان استقرار الداخل عبر تفاهمات متينة مع الجار الإثيوبي الذي يفرضه التاريخ والجغرافيا والواقع.
إن تجاهل هواجس أديس أبابا قد ينعكس سلبًا على مقديشو.
فقد علمتنا التجارب أن أي توتر مع الجوار يترجم بسرعة إلى اضطراب داخلي يصعب السيطرة عليه.
(الحذر السياسي ضرورة وطنية)
من هنا، فإن الذكاء السياسي يفرض على القيادة الصومالية أن تتحرك بمرونة.
فتستفيد من عرض القاهرة، دون أن تدفع ثمنًا باهظًا في علاقاتها مع إثيوبيا.
التوازن لم يعد مجرد خيار دبلوماسي، بل بات ضرورة وطنية تمس جوهر السيادة والاستقرار.
(خاتمة: الصومال على الحبل الرفيع)
اليوم يقف الصومال كمن يسير على حبل رفيع، تتأرجح تحته صراعات القوى الكبرى في المنطقة.
فأي انحياز غير محسوب قد يحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بدلًا من أن تكون ساحة لبناء السلام.
وما يحتاجه الصومال حقًا ليس استيراد خلافات الآخرين.
بل بناء أمنه واستقراره عبر التوافق مع جيرانه أولًا، ثم عبر شراكات مدروسة لا تتحول إلى عبء جديد على جسد وطن منهك يحتاج إلى التقاط أنفاسه.
الصومال_ الآن – الحقيقة أولاً.
*أكاديمي صومالي متخصص فى الشؤون الاجتماعية










