تشهد إندونيسيا أكبر دولة في جنوب شرق آسيا توترًا سياسيًا حادًا وسط موجة احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، حيث تستعد البلاد لتظاهرات جديدة أمام البرلمان بينما تنتظر اجتماعًا مرتقبًا بين ممثلي الطلاب والحكومة.
خلفية الاحتجاجات: من امتيازات النواب إلى أزمة شاملة
بدأت الاحتجاجات في 25 أغسطس احتجاجًا على الامتيازات المالية للنواب، خاصة بدلات السكن التي تبلغ 50 مليون روبية شهريًا (حوالي 2,270 دولار أمريكي)، وهو مبلغ يفوق الحد الأدنى للأجور في جاكرتا بحوالي 10 مرات. ولكن سرعان ما تطورت هذه الاحتجاجات لتشمل قضايا أوسع مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والعنف الشرطي والفساد.
نقطة التحول: مقتل سائق الدراجة النارية
شهدت الاحتجاجات تصعيدًا حادًا في 28 أغسطس عندما دهست مركبة تكتيكية للشرطة عفان قرنيوان، سائق دراجة نارية يبلغ من العمر 21 عامًا، خلال الاحتجاجات في جاكرتا. وأدى انتشار فيديو للحادث على وسائل التواصل الاجتماعي إلى اندلاع احتجاجات أكثر عنفًا في جميع أنحاء البلاد.
حصيلة العنف والخسائر
أفادت منظمات حقوق الإنسان أن الاحتجاجات خلّفت ما لا يقل عن 10 قتلى، مع اعتقال أكثر من 3,000 شخص في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت لجنة المخفيين وضحايا العنف (كونتراس) عن فقدان 20 شخصًا منذ بداية سبتمبر.
استجابة الحكومة: تنازلات وتدابير أمنية
في محاولة لتهدئة الوضع، أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو عن إلغاء جزء من الامتيازات الممنوحة لأعضاء البرلمان، بما في ذلك تخفيض بدلات أعضاء البرلمان.
وتعليق الرحلات الخارجية للنواب ووقف المخصصات الكبيرة للمشرعين.
تظاهرات مقررة اليوم
تستعد تحالف مجالس الطلاب الإندونيسيين (BEM SI) لتنظيم تظاهرة جديدة أمام مبنى البرلمان يوم الخميس 4 سبتمبر تحت شعار “إنقاذ إندونيسيا”. وقال منسق BEM SI المركزي مزمل إحسان إن الاحتجاج يهدف إلى الاستمرار في الضغط من أجل الإصلاحات الشاملة.
اجتماع مع الحكومة
أكد نائب رئيس مجلس النواب سوفمي داسكو أحمد أن الممثلين الطلابيين الذين التقوا بالبرلمان يوم الأربعاء 3 سبتمبر، سيعقدون اجتماعًا مع الحكومة يوم الخميس 4 سبتمبر. وقال داسكو: “تواصلت للتو عبر الواتساب مع الحكومة. أصدقاؤنا هنا سيتم استقبالهم من قبل الحكومة غدًا لنقل وجهات نظرهم مباشرة”.
مطالب المحتجين: حركة “17+8”
تتمحور مطالب المحتجين حول ما يُعرف بحركة “17+8″، والتي تشمل إنهاء العنف ضد المتظاهرين، والإفراج عن المعتقلين.
وتشكيل فريق للتحقيق في مقتل عفان قرنيوان، ووقف عنف الشرطة، وتقليص الأعباء الضريبية على الشعب.
وفيما يتعلق بالمطالب على طويلة المدى البعيد جاء مقدمتها إصلاح البرلمان والأحزاب السياسية، ومراجعة ميزانية البرلمان، وتدقيق الشركات المملوكة للدولة وإقرار قانون مصادرة الأصول.
تداعيات اقتصادية وسياسية
وشهدت الأسواق المالية الإندونيسية تراجعًا حادًا، حيث انخفضت الأسهم وتراجعت قيمة الروبية مقابل الدولار الأمريكي، مما يعكس قلق المستثمرين من عدم الاستقرار السياسي.
كما اضطر الرئيس سوبيانتو إلى إلغاء زيارة رسمية كانت مقررة إلى الصين للمشاركة في عرض عسكري بمناسبة ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.
موقف المجتمع الدولي
دعت الأمم المتحدة إلى التحقيق في الاتهامات باستخدام القوة المفرطة من جانب قوات الأمن خلال الاحتجاجات. وقالت المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان رافينا شمدساني: “نتابع من كثب موجة العنف في إندونيسيا والاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب قوات الأمن”.
تحديات المستقبل
تواجه حكومة سوبيانتو أكبر اختبار لها منذ توليها السلطة في أكتوبر 2024. ويرى خبراء أن استمرار الاحتجاجات قد يؤثر على استقرار أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، والذي يبلغ عدد سكانه 284 مليون نسمة.










