تجاوزت مدة التصفيق الحار التي شهدها العرض الأول لفيلم «صوت هند رجب» في مهرجان البندقية السينمائي 22 دقيقة، وذلك تأكيداً على وقع الفيلم المؤلم في قلوب الحاضرين. حاملين صورة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي استُشهدت برفقة ستة من أفراد أسرتها في قصف استهدف سيارتهم جنوب غرب غزة في 29 يناير 2024، عبر الجمهور عن تضامنه مع مأساة الأطفال في القطاع المحاصر.
المقدمة: لحظة تاريخية من التضامن
في أحد أهم لحظات الدورة الثمانية والسبعين لمهرجان البندقية، توقف عرض الفيلم حالما انتهت آخر مشاهد الساعات الأخيرة من حياة الطفلة هند رجب ذات الخمس سنوات، ليعلو صوت التصفيق الحار.
لم يكن التصفيق مجرّد عرفان بالعمل السينمائي المتميز فحسب، بل كان رسالة احتجاج صامتة ضد المجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة، ورمزاً لتضامن مئات الحاضرين من صناع السينما والنقاد والجمهور على حد سواء.
سياق الفيلم وفكرته الأساسية
يرصد الفيلم التونسي-فرنسي المشترك، إخراج كوثر بن هنية، آخر لحظات حياة الطفلة هند، مستعيناً بالتسجيل الصوتي الحقيقي الذي التقطته كاميرات التصوير قبل دقائق معدودة من استهداف سيارتهم.
تُمثّل هند براءتها القصوى وصوتها المرتجف من الخوف عنواناً لما يعانيه الأطفال الفلسطينيون تحت وابل القنابل والصواريخ.
«صوت هند، هذه الطفلة ذات الخمس أعوام، هو في النهاية صوت غزة تطلب المساعدة»، بهذه الكلمات اختزلت المخرجة كوثر بن هنية رسالة الفيلم وجوهره.
أوراق السينما: كيف صُنع العمل؟
تعاونت بن هنية مع خبراء فلسطينيين ومتخصصين في الأرشيف الصوتي لجمع التسجيلات الحقيقية لعائلتها. كما استعانت بممثلين محليين فلسطينيين ليؤدوا أدوار الجيران والناجين الذين شهدوا الحادثة. جُمعت المشاهد المتنقلة بين غرف السيارة المحاصرة وأصوات الانفجارات القريبة، لتشكل نصاً درامياً يوازن بين السرد الوثائقي والخيال الروائي.
لحظة الصمت والدموع
انتهى الفيلم على مشهد صامت يسترجع صوت ضحكات هند قبل دقائق من سقوط القصف، فعمّ الصمت القاعة لبرهة قبل أن ينفجر القلب بالإجماع في تصفيق امتد لأكثر من 22 دقيقة، تخلله ترديد هتافات «فلسطين حرة» ورفع صور الطفلة الصغيرة.
قال المنتج التنفيذي خواكين فينيكس خلال لحظة تكريمه للفريق:«هذا العمل ليس ترفاً فنياً، بل صرخة إنسانية لا يسمح لنا التاريخ بأن نتجاهلها.»
وأضاف روني مارا:«حين تحكي السينما عن القصص الحقيقية للأطفال الأبرياء، فإنها تتجاوز حدود الشاشة لتصل إلى ضمير العالم.»
التضامن الدولي وأهمية المنصة
يكتسب عرض الفيلم في البندقية أهمية خاصة، إذ يعتبر المهرجان واحداً من أبرز المنصات السينمائية العالمية. وقد تحوّل العرض إلى منتدى إنساني شارك فيه نخبة من النقاد والمخرجين والسياسيين لمناقشة الحق في الحماية المدنية في مناطق النزاع.
وحضر النقاد الإيطاليون والأوروبيون بكثافة، متعاطفين مع رسالة الفيلم، وداعين إلى إسماع صوت غزة وسط صمت العالم.
ردود فعل الفلسطينيين
تابع الفلسطينيون في عدة عواصم عربية العرض عبر البث المباشر، وأصدر عدد من نشطاء السينما في رام الله وغزة بياناً يشيد بالفيلم ويراه «وقفة ضمير أمام مأساة الأطفال الفلسطينيين». ودعا البيان مؤسسات حقوق الإنسان الدولية إلى مشاهدة الفيلم والتعاطف مع قضيتهم.
رؤية المخرجة كوثر بن هنية
في حديث خاص عقب العرض، قالت بن هنية:«في كل مرة نعيد بناء لحظة مأساوية، نحن لا نعيد إنتاج العنف، بل نمنحه صوتاً جديداً يطالب العالم بالتحرك. هند رجب هي ابنة كل أمٍ فلسطينية، وصوتها يستحق أن يُسمع».
وأشارت إلى أنها تنوي عرض الفيلم في مهرجانات عالمية أخرى، وأنها تعمل حالياً على ترجمة التسجيل الصوتي للعربية والإنجليزية لتوسيع قاعدة المشاهدين.
الخاتمة: السينما كأداة للمناصرة
يؤكد «صوت هند رجب» أن للسينما دوراً فعالاً في مناصرة حقوق الإنسان وكشف ما يتعرض له المدنيون من جرائم حرب. واستمرارية عرض الفيلم في المهرجانات الدولية ستساهم في إبقاء صوت الأطفال الفلسطينيين حاضراً في وجدان المشاهدين وتوجيه أنظار المجتمع الدولي إلى الأزمة الإنسانية في غزة.










