يحمل لقاء مستشار الأمن القومي بحكومة الوحدة، إبراهيم الدبيبة، مع نائب قائد “القيادة العامة” صدام حفتر، في العاصمة الإيطالية روما، العديد من التساؤلات حول الملفات الحساسة التي كانت محور النقاش، بين القضايا النفطية الحيوية والتحركات العسكرية في العاصمة طرابلس، وسط ترقب دولي لما قد تفضي إليه هذه المباحثات على الصعيدين الوطني والإقليمي.
كواليس اللقاء التاريخي في روما
كشفت وكالة نوفا الإيطالية عن تفاصيل اللقاء غير المعلن الذي احتضنته العاصمة الإيطالية روما، والذي جمع مساء الثلاثاء بين إبراهيم الدبيبة، مستشار الأمن القومي الخاص لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وصدام حفتر، نجل الجنرال خليفة حفتر ونائب قائد “الجيش الوطني الليبي”.
ما يجعل هذا اللقاء استثنائياً هو حضور مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، مما يضفي بُعداً دولياً مهماً على المحادثات. هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث كانت آخر محادثات مماثلة قد جرت في أبوظبي صيف عام 2022.
الملفات المطروحة والقضايا الحساسة
تناولت المباحثات، وفقاً لمصادر ليبية مطلعة، ملفات سياسية وعسكرية وأمنية معقدة، إلى جانب قضايا الطاقة التي تشكل محوراً أساسياً في العلاقات بين الشرق والغرب في ليبيا. ركزت النقاشات على أهمية النفط والغاز كعنصر توحيدي، نظراً لاعتماد القطاع على التفاهمات بين سلطات بنغازي الخاضعة لسيطرة حفتر، وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.
كما تم خلال الاجتماع بحث مقترح الأمم المتحدة لتشكيل حكومة موحدة قادرة على تجاوز الانقسام السياسي الحالي بين المؤسستين القائمتين في الشرق والغرب. هذا النقاش جاء في ظل مخاوف من تجدد التوترات المسلحة في العاصمة طرابلس ومحيطها، مما يجعل من إيجاد صيغة توافقية أمراً ضرورياً.
شركة جليانه: المشروع النفطي الاستراتيجي
يأتي توقيت اللقاء متزامناً مع تسريبات من المؤسسة الوطنية للنفط تكشف عن مقترح لإنشاء شركة جديدة باسم “جليانه” لاستكشاف وإنتاج الغاز، يكون مقرها مدينة بنغازي. هذا المقترح، الذي تقدم به رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان إلى رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، يهدف إلى تعويض التناقص الحاد في إنتاج الغاز الطبيعي وتفادي تكبيد الدولة تكاليف باهظة ناتجة عن استخدام الوقود السائل.
وفقاً للخطاب الرسمي من المؤسسة الوطنية للنفط، فإن الشركة الجديدة ستختص بتطوير الاكتشافات الغازية في منطقة الامتياز (م.ن 7) التابعة لشركة الخليج العربي للنفط، وذلك بالشراكة مع ائتلاف دولي يضم شركات “إيني” الإيطالية، و”توتال إنرجيز” الفرنسية، و”أدنوك” الإماراتية، وشركة النفط التركية (TPAO).
الأهداف الاستراتيجية للمشروع
يسعى مشروع شركة جليانه إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية حيوية لليبيا. أولاً، وضع اكتشافات الغاز غير المطورة على الإنتاج في أسرع وقت ممكن لتحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلي، خاصة في مجالي توليد الكهرباء وتشغيل المصانع، والتخلي التدريجي عن استخدام وقود الديزل المكلف.
ثانياً، يهدف المشروع إلى معالجة “التناقص الحاد” المتوقع في إمدادات الغاز للمنطقة الغربية بنهاية عام 2026، مما سيحمي الدولة من تكاليف باهظة. كما سيضمن الإيفاء بكميات الغاز المتعاقد على تصديرها إلى إيطاليا، ويحد من دفع غرامات مالية محتملة.
تطوير القطعة NC7A والآفاق المستقبلية
يُعتبر تطوير القطعة (NC7A) من المشاريع الاستراتيجية في المنطقة الشرقية، حيث سيلعب دوراً محورياً في إنتاج الغاز وتوزيعه. هذا المشروع قادر على استيعاب الإنتاج القادم من الحقول المجاورة مثل الحمادة والعطشان، مما يضمن تدفقاً مستداماً للغاز الطبيعي.
إلى جانب ذلك، يمكن استغلال هذا التطوير في فتح آفاق جديدة لاستكشاف الغاز الصخري في مناطق مثل غدامس ومرزق، مما يضيف بعداً جديداً وواعداً لتوسع شركة جليانه في مجال الغاز الطبيعي، ضماناً لأمن الطاقة في ليبيا على المدى الطويل.
السياق الأمني والتوترات المتصاعدة
يأتي اللقاء في توقيت حساس يشهد تصاعداً في التوترات الأمنية حول العاصمة طرابلس. المحللون الليبيون يحذرون من خطر اندلاع مواجهات مسلحة جديدة، خاصة مع تعبئة القوات من مختلف الأطراف. هذا الوضع المتفجر يجعل من إيجاد حلول سياسية سلمية أمراً عاجلاً وضرورياً.
في هذا السياق، يأتي الحضور الأمريكي ممثلاً في مسعد بولس كمحاولة لضمان عدم انزلاق البلاد نحو صراع مسلح جديد. الوساطة الأمريكية-الإيطالية تهدف إلى إيجاد صيغة توافقية تحافظ على استقرار ليبيا وتضمن استمرار تدفق النفط إلى الأسواق الدولية.
الرؤية الأمريكية للحل الليبي
أفادت مصادر مطلعة من طرابلس وبنغازي أن اللقاء جاء في سياق رؤية أمريكية تستهدف إنشاء سلطة سياسية موحدة من خلال دمج سلطتي الحكومتين في طرابلس وبنغازي. هذه الرؤية تركز على استقلال المؤسسات الاقتصادية، وتُعتبر استكشافية لدمج الوزارات الأساسية وإضافة عناصر جديدة للحكومة الموحدة.
حضور مسعد بولس في اللقاء كان بهدف الإشراف على هذه العملية التوافقية، مما يشير إلى انخراط واشنطن المباشر في ترتيب المشهد الليبي بالتنسيق مع حلفائها في روما وأنقرة. هذا التنسيق الدولي يهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل الطاقة ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
الدور الإيطالي والأوروبي
تزامناً مع الاجتماع الرئيسي، عقد مسعد بولس صباح اليوم التالي لقاءً في روما مع وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، في إطار مشاورات أوسع تهدف إلى دعم التسوية السياسية في ليبيا. أكد تاياني أن اللقاء ناقش استقرار منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط، بدءاً من ليبيا، مشيراً إلى رغبة إيطاليا في توطيد التعاون مع بلدان المغادرة والعبور لمكافحة الهجرة غير النظامية والمتاجرين بالبشر.
هذا الدور الإيطالي المحوري يعكس الأهمية الاستراتيجية لليبيا بالنسبة لأوروبا، ليس فقط كمورد للطاقة، ولكن أيضاً كبوابة للتحكم في تدفق الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا. نجاح هذه الوساطة قد يعزز موقع إيطاليا كوسيط إقليمي فعال في منطقة البحر المتوسط.
التحديات والعوائق القانونية
رغم الطموحات الكبيرة لمشروع شركة جليانه، فإنه يواجه تحديات قانونية وسياسية معقدة. وزير النفط السابق محمد عون أشار إلى أن مجلس النواب أصدر قراره رقم 15 لسنة 2023 يقضي بعدم الدخول في تعاقدات جديدة في النفط والثروات الأخرى. كما أن النائب العام أوقف ملف التفاوض بخصوص حقل الحمادة، وتقرير خبراء النفط أوصى بالتطوير الذاتي للاستكشافات النفطية.
هذه العوائق القانونية تتطلب توافقاً سياسياً واسعاً بين المؤسسات الليبية المختلفة، مما يجعل من نجاح المشروع مرهوناً بتحقيق اختراق سياسي حقيقي. في هذا السياق، يمكن أن يكون لقاء روما خطوة مهمة نحو إزالة هذه العوائق وتسهيل تنفيذ المشاريع الاستراتيجية.
الآفاق المستقبلية والتوقعات
يمثل لقاء روما نقطة تحول محتملة في المسار السياسي الليبي، خاصة إذا تمكن الطرفان من التوصل إلى تفاهمات حول الملفات الحيوية. إنشاء شركة جليانه، إذا تم بتوافق سياسي، قد يكون نموذجاً للتعاون في إدارة الثروات الطبيعية بدلاً من الصراع عليها.
كما أن نجاح هذه المبادرة قد يفتح الباب أمام مشاريع أخرى مماثلة، مما يعزز الثقة بين الأطراف الليبية ويساهم في بناء مؤسسات اقتصادية قوية وموحدة. هذا التطور الإيجابي سيكون له تأثير مباشر على استقرار البلاد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين الليبيين.










