أجرى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الجمعة 5 سبتمبر 2025 تعديلاً وزاريًا شاملاً في محاولة لاستعادة هيبة حكومته وإعادة تنظيم صفوفها بعد الاستقالة المفاجئة والمدوية لنائبته أنجيلا راينر بسبب فضيحة ضريبية أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية البريطانية.
جاء هذا التعديل في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد حكومة حزب العمال تراجعًا حادًا في استطلاعات الرأي لتصبح في المركز الثاني خلف حزب الإصلاح البريطاني بقيادة نايجل فاراج، الذي يتصدر الآن بنسبة 31% مقابل 21% لحزب العمال. هذا التطور يشكل ضربة قوية لستارمر الذي يواجه أزمة سياسية حقيقية بعد 14 شهرًا فقط من توليه السلطة.
استقالة راينر: فضيحة ضريبية تهز الحكومة
استقالت أنجيلا راينر، التي كانت تشغل ثلاثة مناصب حيوية – نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الإسكان ونائبة زعيم حزب العمال – بعد أن خلص تحقيق مستقل إلى أنها انتهكت قانون السلوك الوزاري بعدم دفعها الضرائب الصحيحة على شراء شقة بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني في هوف بساسكس الشرقية.
كشف التحقيق الذي أجراه السير لوري ماغنوس، المستشار المستقل لأخلاقيات الحكومة، أن راينر لم تدفع ضريبة الدمغة الإضافية المطلوبة على العقارات الثانية، ما وفر عليها حوالي 40 ألف جنيه إسترليني. وفي رسالة استقالتها، أعربت راينر عن “أسفها العميق” لعدم طلبها “مشورة ضريبية متخصصة إضافية”، مؤكدة تحملها “المسؤولية الكاملة عن هذا الخطأ”.
قال ماغنوس في تقريره إن راينر “تصرفت بنزاهة” أثناء التحقيق، لكنها فشلت في الوفاء “بأعلى المعايير الممكنة للسلوك اللائق” المطلوبة من الوزراء.
التعديل الوزاري: إعادة ترتيب شاملة للمناصب العليا
شمل التعديل الوزاري حركة واسعة في المناصب الوزارية العليا، حيث عيّن ستارمر:
المناصب الجديدة الرئيسية:
ديفيد لامي: من وزير الخارجية إلى نائب رئيس الوزراء ووزير العدل
إيفيت كوبر: من وزيرة الداخلية إلى وزيرة الخارجية
شبانة محمود: من وزيرة العدل إلى وزيرة الداخلية
ستيف ريد: تولى وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي (منصب راينر السابق)
بات ماكفادين: أصبح وزيرًا للعمل والمعاشات
الوزراء المُقالون:
كما شمل التعديل إقالة وزيرين آخرين:
لوسي باول: أُقيلت من منصبها كـزعيمة مجلس العموم
إيان موراي: أُقيل من منصب وزير شؤون اسكتلندا
التحديات السياسية: حكومة في أزمة
يأتي هذا التعديل في ظل تحديات سياسية جمة تواجه حكومة ستارمر، التي وُصفت بأنها تتأرجح “من عاصفة إلى أخرى” منذ وصولها للسلطة في يوليو 2024. من أبرز هذه التحديات:
تراجع شعبية حزب العمال:
انقلاب في استطلاعات الرأي: تصدر حزب الإصلاح المناهض للهجرة بقيادة فاراج على حساب العمال
فشل في وقف قوارب المهاجرين: عدم القدرة على إيقاف تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر القناة الإنجليزية
تراجعات سياسية: اضطرت الحكومة للتراجع عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية ومزايا الوقود للمسنين
فضائح شخصية:
هدايا باهظة: انتقادات لستارمر وراينر لقبولهما هدايا فاخرة من المتبرعين، بما في ذلك ملابس وتذاكر حفلات موسيقية
معايير مزدوجة: اتهامات بالنفاق بعد انتقاد المحافظين لسنوات على قضايا مشابهة
ردود الفعل السياسية: انتقادات من المعارضة
وأعربت كيمي بادينوك، زعيمة المعارضة المحافظة، عن سعادتها لاستقالة راينر، منتقدة ستارمر لـ“الضعف” في التعامل مع الأزمة. وقالت عبر منصة إكس إن راينر “رحلت أخيرًا”، مضيفة أن ستارمر “فشل في اتخاذ إجراءات سريعة” عندما ظهرت القضية لأول مرة.
كما استغل زعيم حزب الإصلاح نايجل فاراج الأزمة للهجوم على الحكومة، حيث قدم خطابه في مؤتمر الحزب السنوي بثلاث ساعات مبكرًا للتعليق على استقالة راينر.
وقال إن حكومة العمال في “أزمة عميقة”، مضيفًا:”وُعدنا جميعًا بأن هذا سيكون نوعًا مختلفًا من السياسة، لكنه سيء مثل ما جاء من قبل، إن لم يكن أسوأ”.
كما توقع فاراج إجراء انتخابات مبكرة في 2027، مشيرًا إلى أن العمال قد “يكافحون للحكم بفعالية” رغم امتلاكهم أغلبية كبيرة في البرلمان.
تحليل سياسي: محاولة “إعادة الضبط”
وصف نائب من حزب العمال راينر بأنها “وحش كبير يصعب استبداله”، مشيرًا إلى أن التعيينات الثلاثة الجديدة “صلبة” وإن لم تكن “مثيرة بشكل خاص”.
وتم التأكيد مبكرًا على أن راشيل ريفز ستبقى في منصبها كوزيرة للخزانة، “في محاولة لمنع تحرك الأسواق”. هذا القرار يعكس حرص ستارمر على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وسط الاضطرابات السياسية.










