شهد شتاء عام 2019 انطلاق مهمة قوات النخبة الأمريكية في شمال شبه الجزيرة الكورية بأقصى درجات السرية والتكتيك المحترف، في أعقاب تصاعد المباحثات النووية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، قيل إن واشنطن سعَت إلى تعزيز قدراتها الاستخباراتية عبر زرع جهاز إلكتروني يتيح اعتراض اتصالات القمة بين بيونغ يانغ وواشنطن.
المهمة تلفت الأنظار إلى توتر العلاقات بين القوتين العظميين وتطرح تساؤلات حول مدى اعتماد واشنطن على الوسائل التقنية للتجسس على خصومها في خضم مساعي الحزم الدبلوماسي.
خلفية التوتر والدوافع
في الأشهر التي سبقت يناير 2019، كانت المحادثات النووية في ذروتها بعد قمتي هانوي وسنغافورة، وبينما سعت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى كسب نقاط تفاوضية، رأت واشنطن ضرورة الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة حول توجهات بيونغ يانغ الداخلية وخططها النووية.
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن “الولايات المتحدة كانت تشعر بقلق من أن كيم جونغ أون قد يستغل المباحثات لتجميد أو تعطيل بعض برامج التفتيش الدولية، ومن ثم 돌아 إلى تطوير صواريخه الباليستية بسرية فائقة.”
تلك المخاوف دفعت البنتاغون إلى تكليف وحدة من قوات العمليات الخاصة، تضم خبراء في الاتصالات وقادة فرق الغوص، لتنفيذ المهمة على بعد أميال قليلة من الشاطئ الشمالي.
خطة التنفيذ وتفاصيلها
تم اختيار نقطة انطلاق المروحيات وطوافات الغوص قرب جزيرة يونبيونغ الكورية التي تقع أقرب من خط الحدود البحرية لأمريكا، لكنها تمتد إلى داخل المياه الكورية الشمالية.
قال مسؤول استخباراتي سابق، طلب عدم الكشف عن هويته:“اخترنا تلك المنطقة لانخفاض خطر الرصد الجوي من قبل الدفاعات الصاروخية الكورية الشمالية، وكذلك لسهولة التحرك ليلاً عبر الأمواج”
الجهاز الإلكتروني وطريقة الزرع
الأجهزة المستخدمة كانت صغيرة الحجم مقاومة للماء ومحجوبة ضمن حاويات عائمة. المهمة الرئيسة للجهاز كانت التقاط إشارات الاتصالات الأرضية والفضائية واللاسلكية، ومن ثم إرسالها عبر قمر صناعي صغير إلى منشآت الاستخبارات الأمريكية.
وقد تلقت فرق الغواصين تدريبات متقدمة على تركيب الجهاز على عمود صخري تحت الماء، بعيداً عن الأنظار، مع ضمان استمرارية الطاقة للمنظومة لمدة تصل إلى 90 يوماً.
عقبات وتحديات العملية
واجه الفريق تحديات عدّة، أبرزها التيارات البحرية المتغيرة التي هدفت إلى إبعاد الفرق عن الموقع المخطط.
وكذلك احتمالية دوريات خفر السواحل الكوري الشمالي التي تشن مراقبة ليلية، وضرورة إبقاء الاتصال مع القيادة الأمريكية محدوداً جداً لعدم الكشف عن نقطة الاتصال.
وأوضح قائد إحدى الوحدات في تصريحات له بعد انتهاء مهمته:“كان علينا أن نتحرك كظلال في الماء، أي صوت أو وميض صغير كان كفيلًا بكشفنا وإيقاف المهمة”
نتائج المهمة والتداعيات
بحسب التقرير، نجحت الفرق في زرع الجهاز بنجاح، وتم رصد عدة محادثات للقمة بين كيم جونغ أون ومستشاريه. سرعان ما ساعدت المعلومات في تزويد صناع القرار الأمريكي بنظرة أوضح عن الأهداف الحقيقية لبيونغ يانغ.
ولكن لم يصدر تأكيد رسمي من البنتاغون أو وكالة المخابرات المركزية CIA حول تفاصيل الاختراق، في حين اكتفت وزارة الدفاع بالقول إن “‘الولايات المتحدة تعتمد على جميع الأدوات المتاحة لحماية أمنها القومي’”.
على صعيد دبلوماسي، لم يشهد الموقف تصعيداً مباشراً من قبل كوريا الشمالية، لكن البعض يرى أن كشف هذه العملية (عند تسربها لاحقاً للصحافة) قد يضر بثقة الطرفين في التفاوض مستقبلاً، إذ قد تعتبر بيونغ يانغ واشنطن شريكاً لا يمكن الوثوق به.










