بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشورا حاميا على منصة “تروث سوشيال” في 4 سبتمبر 2025، عندما أرفق صورة تجمعه بصورة رمزية مع قادة الصين وروسيا والهند، مغردا:“يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا أمام الصين، أعمق وأظلم قوى العالم. أتمنى لهما مستقبلا طويلا ومزدهرا معا.”
جاء هذا التصريح بعد اجتماع قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين الصينية، حيث ظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ بجانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مشهد رمزي لتقارب ثلاثي غير رسمي. أثار منشور ترامب عنوان “أكثر القوى ظلاما” موجة من الجدل الدبلوماسي والإعلامي.
ورغم تصريحاته، لا تزال الهند شريكا استراتيجيا رئيسيا للولايات المتحدة، إلا أن موقفها المحايد من الحرب في أوكرانيا، واستمرارها في شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، أثار انتقادات ضمنية.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد شارك في عدد من فعاليات القمة الصينية، قبل أن يغادر البلاد قبيل العرض العسكري، ما أثار جدلا حول موقع نيودلهي في المعادلة الجيوسياسية الجديدة.
رسالة “ساخرة” إلى شي جينبينغ
وفي منشور آخر، بثه ترامب في وقت متأخر من ليل الثلاثاء (بتوقيت واشنطن)، تزامنا مع عرض لقطات من البث التلفزيوني للعرض العسكري في بكين، كتب موجها حديثه للرئيس الصيني:”أرجو أن تبلغوا أطيب تحياتي لفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، لأنكم تتآمرون ضد الولايات المتحدة الأمريكية.”
خلفية التصريحات وتطورات قمة شنغهاي
شهدت قمة شنغهاي للتعاون (SCO) في سبتمبر 2025 حضور أكثر من 20 قائد دولة، وحظي تجمع شي وبوتين ومودي بتركيز لافت إذ جسد تحالفا إقليميا يعارض الهيمنة الغربية. كان لهذا اللقاء دلالات عدة:
تعزيز المحور الآسيوي: التأكيد على استمرار التعاون الاقتصادي والدفاعي بين الدول الثلاث رغم الضغوط الأمريكية على الهند بفرض رسوم جمركية بلغت 50% على الصادرات الهندية في يونيو الماضي.
التوتر مع واشنطن: بدا واضحا أن نيودلهي وموسكو لم تنصع لأي ضغوط أمريكية لدعم العقوبات على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، في حين وسعت الصين مشترياتها من النفط الروسي، ما أثار انتقادات القادة الأمريكيين.
مواجهة نظام عالمي جديد: شنغهاي تعكس رغبة هذه الدول في صياغة هيكل أمني واستثماري بعيد عن المؤسسات الغربية التقليدية.
ردت نيودلهي رسميا على العقوبات الأمريكية بالتركيز على “الاعتماد على الذات” وتشجيع الصناعات المحلية، فيما اعتبر بوتين أن تصرف ترامب «دعابة معروفة»، مؤكدا أن العلاقات مع بكين تتواصل “بمصلحة الشعبين”.
دوافع ترامب وأبعاد “الظلام” الاستراتيجية
يرى المراقبون أن ترامب وجه وصف “أعمق وأظلم القوى” عبر بعدين رئيسيين:
البعد الشخصي: شعور بالإحراج لعدم دعوته رسميا إلى الاحتفالات الصينية بذكرى “النصر على اليابان”، في حين حضر إليها قادة روسيا والهند دون إشعار واشنطن.
البعد الجيوسياسي: اعتراف ضمني بتراجع النفوذ الأمريكي في أوراسيا ودخول قوى جديدة تحكم معادلات الطاقة والتجارة والدفاع، إذ تتشارك بكين وموسكو والهند مشاريع ضخمة مثل “قوة سيبيريا–2” لخط أنابيب الغاز، وتوسيع شراكات عبر السكك الحديدية العابرة للقارات والطاقة النووية.
قال الكاتب رفائيل فخرالدينوف إن تصريحات ترامب تنم عن “صدمة استراتيجياتية” بسبب تحالفات أوراسية “توطد شبكات أمنية وتجارية بعيدا عن واشنطن”، وأضاف أن “الولايات المتحدة تترك حائفة” إذا لم تنخرط في هذه الديناميات.
سباق النفوذ في آسيا
تجسد تصريحات ترامب رغبة متجددة لإبراز “الهيمنة الغربية”، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى:
توسع النفوذ الصيني عبر مبادرة “الحزام والطريق” التي تضم طرقا حديدية وأنابيب نفط وغاز تمتد من ولاية غوجارات إلى بحر البلطيق.
علاقات دفاعية هندية–روسية المستمرة رغم العقوبات: تستورد نيودلهي أنظمة صواريخ إس–400 وتواصل تدريب الضباط في أكاديمية سانت بطرسبرغ الحربية.
التنافس الأمريكي–الصيني المحتدم في المجالات التكنولوجية، خاصة في تقنيات الجيل السادس والذكاء الاصطناعي.
باتت آسيا مسرحا لصراع جديد بين إتحادات متعددة الأقطاب، حيث تلعب الدول الثلاثة دورا محوريا.










