يثير موضوع تعويم الدينار الليبي جدلاً واسعاً بين الخبراء الاقتصاديين في ليبيا، وسط مخاوف متزايدة من تفاقم الأزمة المعيشية في بلد يعاني أصلاً من تفشي الفساد والانقسام السياسي.
تأتي هذه النقاشات في ظل كشف مصرف ليبيا المركزي عن عجز في النقد الأجنبي بلغ 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2025، واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي للدولار.
الوضع الحالي لسعر صرف الدينار الليبي
يستقر السعر الرسمي للدولار عند 5.41 دينار مقابل 7.84 دينار في السوق الموازية، مما يخلق فجوة كبيرة تصل إلى حوالي 45%. هذه الفجوة الواسعة تساهم في خلق بيئة خصبة للمضاربة وغسيل الأموال، وتستنزف موارد الدولة من النقد الأجنبي.
خلال السنوات السبع الماضية، فقدت العملة المحلية أكثر من 75% من قيمتها بسبب دورات تخفيض متتالية تحت بند “ضريبة النقد الأجنبي”، مما انعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات وزاد من معاناة المواطنين.
الدعوات المؤيدة للتعويم
يطالب بعض الاقتصاديين بتحرير سعر صرف الدينار، معتبرين أن الوضع الحالي يخلق تشوهات اقتصادية خطيرة. يرى رجل الأعمال حسني بي أن “دعم الدولار هو استنزاف لموارد الدولة”، مشيراً إلى أن ليبيا تحصل على 100 مليون دولار يومياً من العوائد النفطية.
من جانبه، اقترح الخبير المالي عمران الشائبي “البدء في تعويم تحت سيطرة المصرف المركزي، من خلال مزادات شفافة، وحماية اجتماعية مؤقتة”.
ويدعو الشائبي إلى “التعويم المُدار” كحل وسط يوحد السعر من خلال مزادات شفافة مع انضباط مالي وحماية اجتماعية مؤقتة.
التحذيرات من مخاطر التعويم
ويعارض مراجع غيث، عضو مجلس إدارة المصرف المركزي السابق، فكرة التعويم بشدة، واصفاً إياها بـ“الانتحار الاقتصادي”.
ويحذر غيث من أن التعويم “سيؤثر تأثيراً مباشراً على المواطن، وينغص معيشته بغلاء الأسعار في بلد يستورد 85% من احتياجاته الأساسية بالدولار”.
كما يتوقع المصرفي إبراهيم والي أن التعويم قد ينعكس سلباً على المواطن بـ”آثار تضخمية أعمق”، حيث سيزيد تكاليف الاستيراد مما يرفع من أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي.
مخاطر الفساد والاقتصاد الأسود
يشير غيث إلى أن التعويم في ظل الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا سيتحول إلى “بوابة خلفية لتمويل الاقتصاد الأسود، مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء”.
هذا التحذير يكتسب أهمية خاصة في ضوء احتلال ليبيا المرتبة 173 من أصل 180 دولة في تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024.
ازدواجية الإنفاق الحكومي
يواجه الاقتصاد الليبي تحدياً فريداً يتمثل في الإنفاق المزدوج من حكومتين متنافستين. فقد بلغ حجم الإنفاق العام المزدوج خلال عام 2024 نحو 224 مليار دينار، منها 123 ملياراً لحكومة الدبيبة و59 ملياراً لحكومة حماد، مقابل إيرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار فقط.
تأثير الاقتصاد الريعي
يعتمد الاقتصاد الليبي بشكل شبه كامل على النفط، حيث تشكل الإيرادات النفطية أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات.
الاعتماد المفرط على مصدر دخل واحد يجعل الاقتصاد هشاً أمام تقلبات أسعار النفط العالمية، ويزيد من صعوبة تطبيق سياسات نقدية فعالة.
موقف المصرف المركزي
أكد مصدر مسؤول بالمصرف المركزي لصحيفة “الشرق الأوسط” أنه “لا توجد أي نية لتعويم الدينار، وليس مطروحاً للنقاش في ظل استمرار هيكل الاقتصاد الليبي، المعتمد بشكل شبه كامل على مصدر وحيد للدخل، وهو النفط”.
شروط التعويم الآمن
يحدد المستشار السابق بالمصرف المركزي محمد أبوسنينة متطلبات أساسية لأي خطوة مستقبلية نحو تغيير سعر الصرف، منها:
ضرورة وجود حكومة موحدة تدير المشهد في أنحاء البلاد
الإنفاق العام وفقاً لميزانية في حدود الموارد المتاحة دون تمويل بالعجز
سياسة تجارية متوافقة مع أهداف استقرار سعر صرف الدينار
الحلول البديلة
يرى أبوسنينة أن هناك “سياسات أخرى مالية ونقدية وسياسات لإصلاح سعر صرف الدينار غير التعويم يمكن اللجوء إليها”، مؤكداً على ضرورة “التركيز على علاج أسباب الأزمة لإنقاذ الاقتصاد الليبي وإنقاذ الدينار من الانهيار”.
التداعيات الاجتماعية المتوقعة
يتوقع أستاذ الاقتصاد يوسف يخلف مسعود أن التعويم قد يؤدي إلى “انخفاض القيمة الحقيقية لرواتب المواطنين، ودخول شركات محلية في موجة إفلاس بسبب اعتمادها على واردات باهظة الثمن”. كما يحذر من إمكانية “اتساع الفجوة بين الطبقات، وانفجار الاحتجاجات”.
الأرقام الصادمة للغلاء
تشهد ليبيا بالفعل ارتفاعات حادة في الأسعار، حيث تجاوزت أسعار الأسماك في أغسطس الماضي نسبة 100%، كما ارتفعت أسعار الدجاج بنسبة 21% مقارنة بشهر يوليو. هذه الارتفاعات تحدث في ظل النظام الحالي، مما يثير المخاوف من تفاقم الوضع في حالة التعويم.










