شهدت أسعار صرف العملات الأجنبية في السودان تطورات دراماتيكية خلال الفترة الأخيرة، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة مقابل الجنيه السوداني، مما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
الأسعار الحالية للدولار الأمريكي
في السوق الرسمي والمصرفي
بحسب آخر البيانات الرسمية من بنك السودان المركزي، يتراوح السعر الرسمي للدولار الأمريكي حول 445-447 جنيه سوداني للدولار الواحد. وفي البنوك التجارية، تسجل الأسعار قيماً متقاربة، حيث يبلغ سعر الشراء في بنك أم درمان الوطني 2,400 جنيه وسعر البيع 2,418 جنيه.
في السوق الموازي (السوق السوداء)
تختلف الصورة تماماً في السوق الموازي، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى مستويات صادمة:
السعر الحالي: يتراوح بين 3,450-3,500 جنيه سوداني للدولار الواحد
في بعض المناطق: وصل السعر إلى 3,095-3,365 جنيه
التذبذب اليومي: تشهد الأسعار تقلبات يومية كبيرة قد تصل إلى عدة مئات من الجنيهات
الفجوة الهائلة بين الأسواق
تكشف هذه الأرقام عن فجوة ضخمة بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي تصل إلى أكثر من 700% في بعض الأحيان، مما يعكس:
فقدان الثقة في النظام المصرفي الرسمي
عدم قدرة البنوك على تلبية الطلب على العملة الصعبة
هيمنة السوق الموازي على التعاملات النقدية
مسيرة الانهيار التدريجي
قبل الحرب (أبريل 2023)
كان سعر الدولار مستقراً نسبياً عند 560 جنيه سوداني، مما يعني أن العملة السودانية فقدت أكثر من 525% من قيمتها خلال عامين ونصف فقط.
التطور التدريجي للأزمة
بداية الحرب: استقرار نسبي عند 570 جنيه
بعد عام واحد: تراجع إلى 2,300-2,500 جنيه
يوليو 2025: وصل إلى 3,200 جنيه
سبتمبر 2025: تجاوز 3,500 جنيه في بعض التعاملات
العوامل المؤثرة في انهيار الجنيه السوداني
الأسباب الهيكلية
الحرب والصراع المسلح: استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليون وفق التقديرات الأممية.
انهيار الإنتاج: تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي بشكل حاد، مما أدى إلى:
انخفاض الصادرات
زيادة الاعتماد على الواردات
تفاقم العجز في الميزان التجاري
السياسات النقدية: اعتماد البنك المركزي على طباعة العملة دون غطاء نقدي أو احتياطي أجنبي، مما فاقم معدلات التضخم التي تجاوزت 300% وفق تقديرات غير رسمية.
العوامل المباشرة
شح النقد الأجنبي: انخفاض احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى مستوى يغطي واردات شهر واحد فقط من احتياجات البلاد، وفق تقرير بنك التنمية الأفريقي.
توقف التحويلات: انقطاع التحويلات الخارجية من المغتربين السودانيين، والتي كانت مصدراً مهماً للنقد الأجنبي.
المضاربات: تزايد عمليات المضاربة في السوق الموازي، خاصة بعد عدم اكتمال عملية استبدال العملة التي بدأها البنك المركزي، مما ترك 90% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
على المستوى الاقتصادي
انكماش الاقتصاد: انكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 40%، وتقلصت الإيرادات العامة بنحو 80%.
خسائر الأصول: قُدرت قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن بنحو 800 مليار دولار.
الفساد والهدر: يفقد السودان سنوياً 5 مليارات دولار بسبب الفساد والتعدي على المال العام والتهرب الضريبي.
على المستوى الاجتمعي
تدهور القوة الشرائية: انهيار القدرة الشرائية للمواطنين مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني.
تهديد الأمن الغذائي: صعوبة متزايدة في توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء والوقود والأدوية.
هجرة المدخرات: موجة من تحويل المدخرات إلى الدولار والعملات الصعبة، مما زاد الضغط على العملة المحلية.
أسعار العملات الأجنبية الأخرى
إلى جانب الدولار، شهدت العملات الأجنبية الأخرى ارتفاعاً مماثلاً:
الريال السعودي: 933 جنيه (بيع) / 920 جنيه (شراء)
الدرهم الإماراتي: 954 جنيه (بيع) / 940 جنيه (شراء)
اليورو: 4,070 جنيه (بيع) / 4,012 جنيه (شراء)
الجنيه الإسترليني: 4,730 جنيه (بيع) / 4,662 جنيه (شراء)
الدينار الكويتي: 11,129 جنيه (شراء)
الإجراءات الحكومية والمصرفية
قرارات البنك المركزي
استبدال العملة: في ديسمبر 2024، أطلق البنك المركزي عملية استبدال فئتي 500 و1000 جنيه في عدة ولايات، لكن العملية تمت بشكل جزئي وغير مكتمل.
توحيد سعر الصرف: محاولات سابقة لتوحيد أسعار الصرف وفق “سعر الصرف المرن المدار”، لكنها لم تحقق الاستقرار المطلوب.










