في تطور خطير يهدد بتعقيد الأزمة اللبنانية أكثر، تصاعدت التهديدات العراقية بقطع المساعدات النفطية الحيوية عن لبنان، وذلك على خلفية قرار الحكومة اللبنانية المضي قدماً في نزع سلاح حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة.
الأزمة تشتعل مع قرار الحكومة اللبنانية
في خطوة غير مسبوقة، أقرت الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام، في أغسطس 2025، قراراً تاريخياً يقضي بتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة شاملة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام الجاري. وقد رحبت الحكومة، في جلسة 5 سبتمبر 2025، بالخطة التي قدمها قائد الجيش الجنرال رودولف حيقل، رغم انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة احتجاجاً على هذا القرار.
وأعلن وزير الإعلام اللبناني بول مرقص أن “الجيش اللبناني سيبدأ بتنفيذ الخطة وفقاً للإمكانات المتاحة، والتي هي محدودة من ناحية اللوجستيات والموارد المادية والبشرية”.
حزب الله يرفض القرار ويحذر من “حرب أهلية”
واجه قرار الحكومة اللبنانية رفضاً قاطعاً من حزب الله، حيث وصف أمينه العام نعيم قاسم القرار بأنه “خطأ جسيم”، محذراً من أن أي مواجهة مع الحزب قد تقود إلى “حرب أهلية”. وأكد الحزب أنه “لن يتخلى حتى عن إبرة واحدة” من سلاحه، معتبراً أن المحاولة “ستفشل”.
كما هدد الحزب بـإسقاط الحكومة عبر اقتراح الثقة في البرلمان، فيما اعتبر عضو كتلة حزب الله النيابية إيهاب حمادة أن قرار الحكومة “يضر بالاتفاق الوطني”.
التدخل العراقي والتهديد بقطع الوقود
في هذا السياق المتوتر، برزت التهديدات العراقية كعامل جديد يعقد الأزمة. فحسب تقارير إعلامية فرنسية، انخرط حزب الله في تواصل مباشر مع الإطار التنسيقي العراقي لممارسة الضغط على بغداد من أجل تجميد العلاقات التجارية مع حكومة نواف سلام.
وتشير المصادر إلى أن هناك دعوات متزايدة في العراق لوقف المساعدات النفطية للبنان، والتي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات سنوياً. هذه الدعوات تأتي من أوساط شعبية وسياسية عراقية تعتبر أن العراق لا يجب أن يتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
اتفاقية الوقود العراقية-اللبنانية
تعتبر اتفاقية الوقود الموقعة بين العراق ولبنان في يوليو 2021 شريان حياة حيوي للاقتصاد اللبناني المنهار. بموجب هذه الاتفاقية، يزود العراق لبنان بـ1.5 مليون طن سنوياً من زيت الوقود الثقيل، مع إمكانية زيادتها إلى 2 مليون طن، مقابل خدمات تشمل الرعاية الصحية للمواطنين العراقيين.
وتمكن هذه الكميات من توفير الكهرباء للبنانيين لمدة 4-6 ساعات يومياً، وهي نسبة حيوية في بلد يعاني من انهيار شبه كامل في قطاع الطاقة. وقد تم تجديد هذه الاتفاقية عدة مرات، آخرها في نوفمبر 2024.
المواقف الإقليمية والدولية
تحظى خطة نزع سلاح حزب الله بدعم أميركي وعربي قوي. فقد أشادت الولايات المتحدة بالقرار، فيما حذرت من أن الوقت ينفد أمام لبنان لتنفيذ هذه الخطة، مهددة بقطع الدعم المالي الأميركي في حالة التقاعس.
كما رحبت فرنسا بالقرار، واصفة إياه بـ”القرار التاريخي والشجاع”، فيما أكدت جامعة الدول العربية دعمها لوضع خطة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
الضغوط الإيرانية وإعادة تنظيم “محور المقاومة”
في المقابل، تسعى إيران لإعادة تنظيم ما يُعرف بـ”محور المقاومة” في المنطقة. وتشير تقارير إلى أن طهران تبحث عن قنوات جديدة لضخ الأموال إلى حزب الله، بما في ذلك محاولات لاستخدام الأراضي العراقية كممر لنقل الأموال إلى الحزب عبر سوريا.
وقد زار علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بغداد في أغسطس 2025، حيث سعى لحث القوى الشيعية العراقية على دعم حزب الله في أزمته الحالية.
تداعيات اقتصادية وسياسية
إن قطع المساعدات النفطية العراقية عن لبنان سيكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد اللبناني المنهار أصلاً. فلبنان يدين للعراق بحوالي 1.59 مليار دولار مقابل الوقود المورد منذ 2021، مع توقعات بوصول هذا الرقم إلى 4 مليارات دولار بحلول 2028.
ويعتمد لبنان بشكل شبه كامل على الوقود العراقي لتشغيل محطات الكهرباء، في ظل عجز الدولة عن شراء الوقود من الأسواق الدولية بسبب الأزمة المالية الحادة.
التحديات الأمنية والعسكرية
يواجه الجيش اللبناني تحديات جمة في تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله، نظراً لمحدودية قدراته العسكرية واللوجستية مقارنة بقوة حزب الله العسكرية. فالحزب يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة وقوات مدربة تفوق بكثير قدرات الجيش اللبناني.
ورغم التأكيدات الحكومية بأن الجيش “سيبدأ بتنفيذ الخطة”، إلا أن المراقبين يشككون في قدرته على مواجهة حزب الله عسكرياً دون دعم خارجي كبير.
المساعي الدبلوماسية
تجري حالياً مساعٍ دبلوماسية مكثفة لتجنب التصعيد، حيث يسعى وسطاء إقليميون ودوليون للتوصل إلى حل تفاوضي يضمن تنفيذ قرارات الدولة اللبنانية دون الانزلاق إلى صراع داخلي مدمر.
وقد أعرب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري عن استعداده لـ”حوار هادئ وتوافقي” حول مسألة السلاح، فيما حذر من خطورة المرحلة الحالية على استقرار البلاد.










