أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تصريحات مثيرة للجدل قال فيها إن بلاده تعتزم “تصحيح خطأ تاريخي” أدى إلى فقدانها الوصول إلى البحر الأحمر عقب استقلال إريتريا عام 1993، في خطوة تهدد بإشعال توترات جيوسياسية جديدة في منطقة القرن الأفريقي.
وفي مقابلة تلفزيونية بثت على القنوات الرسمية الإثيوبية في الأول من سبتمبر، وصف آبي أحمد الوضع الحالي الذي يجعل إثيوبيا دولة حبيسة بأنه “تهديد لبقاء الأمة”، مؤكدا أن فقدان الموانئ البحرية قبل ثلاثة عقود كان “خطأ لا بد من تصحيحه”.
تصريحات مباشرة وحاسمة
قال آبي أحمد:”الخطأ الذي ارتكب قبل 30 عاما سيصحح غدا… لقد كان البحر الأحمر في أيدينا. هذا ليس موضوعا معقدا، بل مسألة وجودية”.
وأضاف أن النمو السكاني والطموحات الاقتصادية المتزايدة تجعل من الضروري لإثيوبيا تأمين منفذ مباشر إلى البحر الأحمر، قائلا:”لقد صمتنا لعقود، لكن استمرارنا كدولة حبيسة أمر غير مقبول. لا نتحدث من منطلق الكبرياء، بل من أجل البقاء”.
ردود فعل إقليمية غاضبة
تصريحات آبي جاءت بعد أيام فقط من تصريحات الجنرال الإثيوبي تيشومي جيميشو، رئيس الدبلوماسية العسكرية، الذي وصف ميناء عصب الإريتري بأنه “هدف وطني”. الأمر الذي دفع إريتريا إلى إصدار رد رسمي شديد اللهجة، اعتبرت فيه التصريحات “انتهاكا لسيادتها” و”أجندة توسعية مسمومة”.
وتخشى أسمرة من أن تشكل هذه التصريحات تمهيدا لمحاولة فرض أمر واقع بالقوة أو الضغط السياسي للحصول على منفذ بحري.
التوتر مع مصر على جبهة الصومال
في سياق متصل، تتزامن تصريحات آبي مع تصاعد التوتر بين إثيوبيا ومصر، في ظل التنافس الجيوسياسي المتزايد في الصومال.
إذ نشرت مصر مؤخرا قوات عسكرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS) في الأراضي الصومالية، وهو ما تنظر إليه إثيوبيا بريبة، خصوصا مع الخلفية المتوترة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب أزمة سد النهضة.
وأعرب السفير الإثيوبي لدى الصومال، سليمان ديديفو، عن مخاوفه من أن وجود القوات المصرية قد يهدد التوازن الإقليمي، لا سيما في ظل وجود أكثر من 4000 جندي إثيوبي ضمن قوات الاتحاد الأفريقي هناك.
الصومال: قراراتنا سيادية
وفي رد مباشر على هذه المخاوف، أكد وزير الدفاع الصومالي عبد القادر نور أن بلاده ترحب بالدعم المصري، قائلا:”الصومال لم يعد بحاجة إلى انتظار الإذن من أحد… نحن من نقرر مع من نتعاون”.
كما شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريحات سابقة خلال يوليو، على أن دعم مصر للصومال “ينبع من حرصها على حماية وحدة البلاد واستقرارها”، مشيرا إلى التزام القاهرة طويل الأجل بدعم قوات الأمن الصومالية في مواجهة تهديدات حركة الشباب.
قراءة في المشهد الإقليمي
يرى مراقبون أن تصريحات آبي أحمد تعكس تحولا استراتيجيا في الخطاب الإثيوبي بشأن الوضع الجغرافي للبلاد، وقد تكون محاولة لبناء رأي عام داخلي يدعم تحركات مستقبلية باتجاه البحر الأحمر، سواء عبر التفاوض أو الضغط الإقليمي.
وفي الوقت نفسه، تتقاطع هذه التصريحات مع أجندة توسعية سياسية وأمنية في القرن الأفريقي، ما يهدد بخلط الأوراق في منطقة تعاني بالفعل من صراعات ممتدة وضعف في الاستقرار السياسي.
تصريحات آبي أحمد حول البحر الأحمر تعيد فتح ملف حساس ومعقد في علاقات إثيوبيا مع دول الجوار، خاصة إريتريا، مصر، والصومال. وفي حال لم يتم التعامل معها دبلوماسيا بحذر، فقد تشعل شرارة أزمة جديدة في واحدة من أكثر مناطق أفريقيا اضطرابا.










