فوجئ أهالي قرية البهنسا التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا بظهور بحيرة مياه مفاجئة في منطقة صحراوية كانت قاحلة في السابق، مما أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي وتساؤلات عديدة حول سبب ظهورها ومصدر هذه المياه.
السر وراء ظهور البحيرة الغامضة
أوضحت محافظة المنيا في بيان رسمي أنه تم رصد تجمع مائي في منخفض صحراوي بمنطقة البهنسا، وذلك بناءً على تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. وسارعت الجهات المختصة إلى سحب عينات من المياه لإجراء الفحوص والتحاليل المعملية اللازمة.
كشفت نتائج التحاليل المعملية أن هذه المياه ناتجة عن تسريبات جيولوجية طبيعية من الخزان الجوفي تحت الأرض، وليست نتيجة أي تدخل بشري أو ظاهرة غير طبيعية. وأكدت التحاليل أن المياه تحتوي على نسبة ملوحة مرتفعة جداً، مما يجعلها غير صالحة تماماً للاستخدام البشري أو الحيواني أو الزراعي.
تحذير رسمي من المحافظة
أكدت محافظة المنيا في بيانها أن هذه البحيرة لا تمثل خطورة مباشرة في حد ذاتها، لكنها قد تشكل خطراً على المواطنين في حال التعامل معها. لهذا ناشدت المحافظة الأهالي بعدم الاقتراب من المياه أو محاولة استخدامها في أي أنشطة حياتية، حرصاً على سلامتهم.
شددت المحافظة على أن الموقف يخضع للمتابعة المستمرة بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، وأنها تتابع الموقف لحظة بلحظة بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية والجهات البحثية المختصة للتأكد من عدم وجود أي تأثيرات بيئية أو مخاطر مستقبلية على سكان المنطقة.
التفسير العلمي للظاهرة
علق الدكتور أحمد جابر شديد، أستاذ جيولوجيا المياه ورئيس جامعة الفيوم السابق، على ظهور البحيرة موضحاً أن المياه تنقسم إلى نوعين: مياه سطحية تظهر على الأرض، ومياه جوفية تكون مخزنة في باطن الأرض إما منذ ملايين السنين أو نتيجة لتسرب حديث من الأنهار والترع والمصارف الزراعية.
وأوضح شديد أن طرق الري بالغمر المنتشرة في مصر تسهم في تسرب كميات كبيرة من المياه إلى باطن الأرض، مما يؤدي إلى تكوين تجمعات مائية جوفية ضخمة. هذه المياه ليست ساكنة وإنما تتحرك بشكل مستمر من المناطق المرتفعة إلى المنخفضة عبر الشقوق والفتحات الطبيعية في التربة والصخور.
دور المحاجر الرملية في تكوين البحيرة
أوضحت المصادر الفنية أن منطقة البهنسا كانت تضم في السابق محاجر رملية، مما أدى إلى تكوين منخفضات طبيعية في باطن الأرض. ومع مرور الوقت، تسربت المياه الجوفية من الخزان المائي العميق لتتجمع في تلك المنخفضات، مسببة ظهور بحيرات جديدة في أماكن لم يكن متوقعاً أن تحتضن مياهاً من قبل.
كما أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، أن بحيرة البهنسا نشأت بعد استغلال المحاجر الرملية، وأن هذه الظاهرة تتكرر في بعض المناطق الصحراوية نتيجة العوامل الجيولوجية والبيئية.
خطورة المياه على الصحة العامة
حذر خبراء جيولوجيا المياه من أن استخدام أي نوع من المياه دون إجراء تحاليل كاملة يُعد أمراً خطيراً. فقد تحتوي هذه المياه على عناصر ضارة حتى ولو كانت بنسب ضئيلة، قادرة على إحداث أضرار جسيمة بصحة الإنسان.
كما قد تحمل ملوثات بيولوجية تسبب أمراضاً خطيرة. لذلك أكد الخبراء أن ما شوهد في بني مزار من تجمع مائي غير صالح تماماً للشرب، ولا للاستخدام الحيواني أو الزراعي، ولا حتى للنزول أو الاستحمام فيه.
دحض الشائعات والأساطير
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي شائعات ومصطلحات مبالغ فيها حول البحيرة، حيث أطلق عليها البعض لقب “بحيرة الموت” أو “بحيرة أميرة الجان”. لكن خبراء الجيولوجيا والزراعة شددوا على أن هذه التسميات لا تستند إلى أي دليل علمي أو واقعي.
وأكدوا أن هذه البحيرات ظهرت نتيجة أنشطة بشرية طبيعية ولا تحمل أي خصائص خطرة غير مألوفة، وأنه لا يوجد أي دليل علمي أو رسمي يشير إلى كونها بحيرات “موت” أو أن بها مواد سامة أو خطورة غير طبيعية.
المتابعة والرقابة المستمرة
تخضع بحيرة البهنسا للمتابعة المستمرة من خلال تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وتحاليل الجهات المختصة للتأكد من استقرار الوضع وعدم وجود مخاطر مستقبلية على سكان المنطقة.
واختتمت محافظة المنيا بيانها بالتأكيد على أن الظاهرة طبيعية ولا تدعو للقلق، وأنها نتيجة طبيعية لتجمع المياه الجوفية في المنخفضات الصحراوية، وليست مؤشراً على أي مخاطر جيولوجية أو بيئية تهدد المنطقة، داعية المواطنين إلى التعاون والالتزام بالإرشادات الرسمية وعدم الانسياق وراء الشائعات.










