في خطوة حاسمة لمواجهة شبهات الفساد في القطاع النفطي، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يوم السبت (6 سبتمبر 2025) بتشكيل لجنة تحقيقية عالية المستوى من الجهات المختصة للتحقيق في معلومات واردة حول وجود شبهات فساد في خلط وتهريب النفط الخام والمنتجات النفطية سواء في الموانئ العراقية أو ضمن المياه الإقليمية. يأتي هذا القرار في أعقاب فرض الولايات المتحدة عقوبات على شبكة دولية متهمة بتهريب النفط الإيراني تحت غطاء عراقي.
خلفية القضية والعقوبات الأمريكية
فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، يوم الثلاثاء 2 سبتمبر 2025، عقوبات شاملة على شبكة من شركات وسفن الشحن يقودها رجل الأعمال العراقي وليد خالد حميد السامرائي (المقيم في الإمارات ويحمل جنسية سانت كيتس ونيفيس إضافة للعراقية)، بتهمة تهريب النفط الإيراني مُموّهاً على أنه نفط عراقي.
وفقاً لبيان الخزانة الأمريكية، تعمل هذه الشبكة “بشكل أساسي عن طريق مزج النفط الإيراني سراً بالنفط العراقي، ثم تسويقه عمداً على أنه نفط عراقي خالص لتجنب العقوبات”. حقق هذا المخطط مئات الملايين من الدولارات لكل من النظام الإيراني والسامرائي، بعائدات تقدر بنحو 300 مليون دولار سنوياً.
تفاصيل عمليات التهريب المزعومة
كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن تفاصيل مثيرة لآليات العمل المتبعة في هذه الشبكة. فقد أجرت سفن السامرائي التي ترفع أعلام ليبيريا والمملوكة عبر شركات وهمية في جزر مارشال، عمليات نقل النفط بين السفن في الخليج العربي والموانئ العراقية، حيث جرى خلط النفط الإيراني مع العراقي قبل تسويقه في الخارج.
رصدت الخزانة الأمريكية 9 سفن تقوم بهذه الممارسات وهي: “أدينا”، “ليليانا”، “كاميلا”، “دلفينا”، “بيانكا”، “روبيرتا”، “ألكساندرا”، “بيلاجيو”، و”باولا”. تتبع هذه السفن تقنيات تعتيم متطورة لإخفاء أنشطتها، مثل عمليات النقل غير الآمنة من سفينة إلى أخرى في الليل، وتزييف نظام التعريف الآلي، والثغرات الواضحة في الإبلاغ عن موقع نظام التعريف الآلي.
موقف الحكومة العراقية الرسمي
شدد السوداني في توجيهاته على “عدم التهاون في هذا الملف”، مطالباً اللجنة بتقديم توصياتها بعد استكمال التحقيقات إلى مجلس الوزراء لاتخاذ الإجراءات الملائمة وفق القانون، “وبما يضمن دعم الاقتصاد الوطني وحماية المال العام”.
من جانبها، نفت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) في بيان صدر الثلاثاء الماضي (2 سبتمبر 2025) وجود أي عمليات خلط أو تهريب للنفط الخام أو المنتجات النفطية في الموانئ العراقية أو داخل المياه الإقليمية. وأكد مديرها العام علي نزار الشطري أن الشركة “تعتمد على برامج تتبع متقدمة، من بينها برنامج شركة كبلر الأمريكية، الذي يوفر معلومات دقيقة عن حركة كل ناقلة”.
الموقف الأمريكي والضغوط الدولية
أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أنه “لا يمكن للعراق أن يصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين، ولذلك تعمل الولايات المتحدة على مواجهة نفوذ إيران في البلاد”. وأضاف أن “باستهداف عائدات النفط الإيراني، ستُضعف وزارة الخزانة قدرة النظام على شن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها”.
يأتي هذا الإجراء استكمالاً لعقوبات سابقة فُرضت في 3 يوليو 2025 على شبكة سليم أحمد سعيد، التي اتُهمت أيضاً بتهريب النفط العراقي والإيراني المختلط، وتحقيق إيرادات طائلة للنظام الإيراني. كما فرضت واشنطن في 7 أغسطس الماضي عقوبات على نحو 18 كياناً وفرداً ساعدوا طهران على التهرب من العقوبات.
تداعيات اقتصادية محتملة
يثير هذا الملف مخاوف جدية من تعرض العراق لعقوبات أمريكية إضافية أو تقييد صادراته النفطية إذا ثبتت صحة هذه المزاعم، وفقاً لتحذيرات خبراء اقتصاديين. ففي ظل اعتماد العراق على عائدات النفط لأكثر من 90% من إيراداته الحكومية، قد تؤثر أي قيود على الصادرات النفطية تأثيراً كارثياً على الاقتصاد العراقي.
من جانب آخر، تشهد المنطقة حراكاً دبلوماسياً واسعاً في بغداد لثني واشنطن عن فرض عقوبات إضافية على قطاع النفط أو العاملين فيه، بحسب تقارير نقلت عن مصادر مطلعة.
الإجراءات الأمنية المتخذة
بالتزامن مع هذه التطورات، كثفت القوات البحرية العراقية من عمليات تفتيش الناقلات في المياه الإقليمية. كما أكد وزير الداخلية العراقي الجاهزية الكاملة والاستمرار في حماية المواقع والأنابيب النفطية، مشدداً على المضي في عملية حصر السلاح بيد الدولة لضمان الأمن في المناطق النفطية الحساسة.
أبعاد إقليمية ودولية
تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ضوء السياسة الأمريكية للضغط الاقتصادي الأقصى على إيران. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 2018، تسعى واشنطن لقطع مصادر التمويل عن طهران من خلال استهداف شبكات تهريب النفط الإيراني وأساطيل الظل المستخدمة لتجنب العقوبات.
يُعتبر هذا الإجراء الأكبر بشأن إيران منذ حوالي 7 سنوات، وفقاً لتقارير إعلامية، مما يعكس تصعيد الضغوط الأمريكية على شبكات التهرب من العقوبات في المنطقة.
التحديات المستقبلية
تواجه الحكومة العراقية تحدياً معقداً في موازنة علاقاتها الإقليمية مع ضرورة الحفاظ على مصداقيتها الدولية وحماية قطاعها النفطي الحيوي. فمن جهة، تربطها بإيران علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة، ومن جهة أخرى تحتاج للحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لضمان استمرار صادراتها النفطية.
كما تسلط هذه القضية الضوء على ضرورة تعزيز آليات المراقبة والرقابة في الموانئ والمياه الإقليمية العراقية، وتطوير أنظمة تتبع أكثر تطوراً لضمان شفافية عمليات تصدير النفط.










