في اكتشاف مذهل وصفه علماء الفلك بأنه “لا يمكن تفسيره بأي سيناريو معروف”، تم رصد سلسلة متكررة من انفجارات أشعة غاما (GRBs) صادرة من المصدر نفسه خلال يوم واحد، ما يشكل ظاهرة فريدة من نوعها لم يشهد لها مثيل منذ بدء مراقبة هذا النوع من الإشارات الكونية قبل نصف قرن.
أقوى الانفجارات في الكون… تتكرر من مصدر واحد
انفجارات أشعة غاما تعد أقوى الأحداث الطاقية في الكون، تنتج عادة عن موت النجوم الضخمة أو تدميرها عبر ثقوب سوداء. وتستمر عادة من بضع ميلي ثانية إلى بضع دقائق، مطلقة طاقة تعادل مليارات من مليارات الشموس خلال هذه الفترة القصيرة.
لكن المفاجأة العلمية جاءت من تلسكوب فيرمي الفضائي التابع لوكالة “ناسا”، والذي رصد في يوليو الماضي ثلاث ومضات من أشعة غاما متتالية خلال بضع ساعات فقط، وجميعها صادرة من الموقع نفسه في الفضاء.
وقال الدكتور أنتونيو مارتن-كاريلو، عالم الفلك في كلية دبلن الجامعية، والمشارك في الدراسة المنشورة في مجلة The Astrophysical Journal Letters:
“نظريا، لا يفترض أن تتكرر انفجارات أشعة غاما، لأن الحدث الذي ينتجها يكون مدمرا. لكن الإشارة هذه الصيف كانت مختلفة تماما عما رصد خلال آخر 50 عاما”.
إشارات أطول وأقوى… ومصدر غامض
التحليلات اللاحقة كشفت أن الإشارات رصدت أيضا عبر مسبار أينشتاين الصيني-الأوروبي للأشعة السينية، وأظهرت أن النشاط استمر لمدة تصل إلى 1000 ضعف أطول من المتوسط المعتاد لانفجارات GRBs.
وقال أندرو ليفان، عالم الفلك في جامعة رادبود بهولندا:
“لم نر شيئا كهذا من قبل… الإشارة طويلة بشكل غير عادي، ومع ذلك تبدو وكأنها تنبع من المصدر نفسه”.
في البداية، اعتقد العلماء أن المصدر يقع داخل مجرة درب التبانة، لكن باستخدام التلسكوب العملاق “في إل تي” (VLT) في صحراء أتاكاما بتشيلي، تم اكتشاف أدلة تشير إلى أن المصدر في مجرة بعيدة تبعد مليارات السنين الضوئية، وهو ما أكده لاحقا تلسكوب هابل الفضائي.
ما الذي يسبب هذا الحدث الاستثنائي؟
حتى الآن، لم يستطع العلماء الجزم بسبب هذا الحدث الغامض. ومن بين الفرضيات المطروحة:
انهيار نجم ضخم بطريقة غير اعتيادية، يختلف عن السيناريوهات الكلاسيكية لانفجارات السوبرنوفا.
تدمير نجم غريب على يد ثقب أسود “أكثر غرابة” من تلك المعروفة.
حدث فيزيائي غير مكتشف حتى الآن، يفتح الباب أمام اكتشافات جديدة في فيزياء الفضاء والنجوم.
إلى أين يتجه البحث؟
الحادثة تستدعي إعادة النظر في بعض الفرضيات الفلكية المتعلقة بأشعة غاما ومصادرها، خاصة أن العلماء كانوا يعتقدون حتى الآن أن مثل هذه الانفجارات لا يمكن أن تتكرر من نفس الموقع.
ويعمل فريق دولي من الفلكيين الآن على مراقبة المصدر باستمرار، باستخدام عدة مراصد فضائية وأرضية، على أمل جمع المزيد من البيانات التي قد تساعد في تفسير هذه الظاهرة غير المسبوقة.










