في خطوة مفاجئة هزت المشهد السياسي البريطاني، أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الخميس إقالة بيتر ماندلسون من منصبه كسفير لبريطانيا لدى الولايات المتحدة، على خلفية تورطه في علاقة شخصية مثيرة للجدل مع الملياردير الأميركي الراحل جيفري إبستين، المدان سابقا بجرائم جنسية.
وجاء قرار الإقالة بعد تصاعد الضغوط السياسية والإعلامية، إثر كشوفات صادمة عن مدى قرب العلاقة بين ماندلسون وإبستين، الأمر الذي وضع رئيس الوزراء كير ستارمر في موقف محرج، وسط اتهامات بسوء التقدير السياسي في تعيينه.
“أفضل صديق لي”: بداية الانهيار
أصل الفضيحة يعود إلى يوم الإثنين الماضي، حين كشف مشرعون أميركيون عن “كتاب عيد ميلاد” كان إبستين يحتفظ به، وتضمن ملاحظة بخط اليد كتبها ماندلسون، وصف فيها إبستين بأنه “أفضل صديق لي”.
رغم هذه الصدمة، دافع ستارمر عن ماندلسون بشدة أمام البرلمان يوم الأربعاء، مؤكدا أنه يحظى بـ”ثقته الكاملة”.
لكن الأمور ساءت بشكل سريع خلال ساعات، إذ نشرت وكالة بلومبرغ مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني بين ماندلسون وإبستين، كشفت عن علاقة وثيقة وذات طابع سياسي حساس.
رسائل تغضب الحكومة والبرلمان
في الرسائل التي تعود إلى عام 2008، كتب ماندلسون لإبستين معلقا على محاكمته في فلوريدا بتهمة الاستغلال الجنسي للقاصرات:
“أعتقد أن العالم، أنا وأنت، نشعر بالغضب واليأس مما حدث…”، وأضاف: “قد يساعدك أن تطالع فن الحرب لسون تزو، القوة تكمن أحيانا في التراجع ثم الهجوم لاحقا”.
الأخطر من ذلك، عرض ماندلسون مناقشة القضية مع شخصيات سياسية بارزة، وهو ما اعتبره نواب بريطانيون تجاوزا دبلوماسيا وأخلاقيا جسيما.
إقالة رسمية وسط عاصفة سياسية
أعلن ستيفن دوتي، وزير الدولة للشؤون الخارجية، قرار الإقالة رسميا أمام البرلمان، مؤكدا أن رسائل البريد الإلكتروني “أظهرت أن عمق ومدى العلاقة بين السفير السابق وإبستين كانا مختلفين ماديا عما كان يعتقد عند تعيينه”.
وأضاف دوتي أن القرار “جاء بعد إعادة تقييم كاملة للمعلومات المتوفرة”، وأكد أن المملكة المتحدة “لن تتسامح مع أي علاقات قد تضر بسمعتها الدولية أو تنتهك القيم الأخلاقية الأساسية للدبلوماسية”.
ستارمر في مرمى النيران
تواجه حكومة كير ستارمر أزمة جديدة تضاف إلى قائمة المشاكل التي تعانيها، إذ تطرح الآن أسئلة حادة حول قرار تعيين ماندلسون، رغم أن علاقته بإبستين كانت معروفة علنا منذ سنوات.
ووصفت المعارضة ما حدث بأنه “فضيحة فاضحة من الدرجة الأولى”، متهمة رئيس الوزراء بـ”التستر على علاقة دبلوماسية غير أخلاقية لأغراض سياسية”.
وقال أحد نواب حزب المحافظين:
“إذا كان ستارمر يعلم، فتلك كارثة. وإذا لم يكن يعلم، فالكارثة أكبر”.
خلفية العلاقة
ارتبط ماندلسون، السياسي العمالي المخضرم وأحد مهندسي “الطريق الثالث” في عهد توني بلير، بعلاقات اجتماعية متكررة مع جيفري إبستين منذ أوائل العقد الأول من الألفية، وظهر اسمه في سجلات الطيران الخاصة بطائرة إبستين الخاصة.
رغم الانتقادات المتكررة، نفى ماندلسون مرارا وجود علاقة “شخصية وثيقة” مع إبستين، إلا أن الوثائق المنشورة حديثا كشفت خلاف ذلك.
ماذا بعد؟
بينما تحاول الحكومة احتواء تداعيات الإقالة، يتوقع أن تفتح لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان جلسات استماع لمعرفة ما إذا كانت هناك محاولات لتغطية طبيعة العلاقة، وما إذا كان ستارمر قد تجاهل التحذيرات عند تعيين ماندلسون في المنصب الحساس.
وقد يترتب على ذلك أثر سياسي مباشر على رصيد رئيس الوزراء، الذي يواجه بالفعل أزمات اقتصادية وتحديات داخل حزبه.










