تشهد حركة حماس في هذه الفترة حراكًا شديد التعقيد بعد محاولة اغتيال فاشلة استهدفت قياداتها العليا في العاصمة القطرية الدوحة، في إطار تصعيد إسرائيلي غير مسبوق يستهدف ليس فقط قطاع غزة، بل امتد إلى قواعد ومقرات الحركة بالخارج، ما يعكس توجهًا إسرائيليًا لكسر جناح حماس خارجياً وداخلياً، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي المكثف على غزة وعمليات عسكرية متسارعة في الضفة الغربية.
في الثامن من سبتمبر 2025، نفذ الجيش الإسرائيلي هجومًا جويًا دقيقًا استهدف اجتماعًا لقيادات حماس في الدوحة، باستخدام نحو 15 مقاتلة وأطلق أكثر من 10 ذخائر دقيقة على مبنى كان يتواجد فيه عدد من قادة الحركة، منهم خليل الحية رئيس حركة حماس في غزة وكبير مفاوضيها. وأكدت حماس في بيان رسمي نجاة قادتها من محاولة الاغتيال، لكنها نعت خمسة من عناصرها بينهم همام الحية نجل خليل الحية ومدير مكتبه، بالإضافة إلى ثلاثة مرافقين آخرين وقائد أمني قطري، في اعتداء وصفته الحركة بـ”الجريمة البشعة والعدوان السافر” وانتهاك صارخ للسيادة القطرية.
تعكس هذه الضربة الإسرائيلية محاولة لتوجيه ضربة قاصمة للقيادة الخارجية لحماس التي تلعب دورًا حيويًا في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، خاصة في ظل المساعي الدولية والإقليمية التي تقودها قطر ومصر لوقف العدوان على غزة. هذا الهجوم جاء في توقيت حساس بشكل كبير، بعدما كانت حماس تناقش مقترحات أميركية ودولية للتهدئة، مما يشير إلى رغبة إسرائيل في إفشال أي مسار تفاوضي والإبقاء على الضغط العسكري كخيار استراتيجي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أدان الحادثة بشدة، واعتبرها رسالة تستهدف أنقرة قبل أن تستهدف حماس، ما يعكس تعقيدًا إقليميًا يعيد إحياء عدة ملفات خلافية بين الدول العربية وتركيا وإسرائيل. بينما يرى مراقبون أن هذا الهجوم قد يدخل الحركة في مأزق حقيقي بين خيار الرد العسكري التصعيدي الذي قد يزيد من حجم الصراع ويطيل أمده، أو التراجع وتغليب خيار التفاوض الذي يبدو حتى الآن مهددًا بالخطر جراء الضغوط الإسرائيلية الأميركية المشتركة.
داخل الحركة، لا يزال الصوت الرسمي متمسكًا بموقف الرفض التام للعدوان، والتمسك بمطالب وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، مع مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل. تحدث قادة الحركة عن أن الهجوم على الدوحة يؤكد أن حكومة نتنياهو لا ترغب في أي حل سياسي ونهائي للصراع، وأنها تسعى لإطالة أمد الحرب لإضعاف الحركة وكسر إرادتها، حتى على حساب حياة الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين. وحماس تدعو إلى توحيد الصفوف من أجل التصدي للمخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين.
أما على الصعيد العسكري، فقد شهدت حركة حماس خلال 2024 و2025 سلسلة اغتيالات استهدفت قادتها البارزين، منها استهداف قائد حركة الجناح العسكري أحمد الجعبري، ورئيس المكتب السياسي يحيى السنوار، ومستشار الأمن القومي في الحركة، إضافة إلى آخرين. رغم ذلك، بقيت الحركة محافظة على هيكلية قيادتها وقدرتها على المقاومة، مع ما يشير إلى استراتيجيات متجددة للتعامل مع الضغوط الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.
تحليل الخبراء يشير إلى أن إسرائيل تتوسع في حربها ضد حماس خارج حدود غزة، محاولة استهداف القواعد والقيادات في الخارج وعلى رأسها الدوحة، وهي خطوة جديدة في توسيع نطاق الصراع، قد تضع المنطقة برمتها في مهب خطر توترات إقليمية قد تتجاوز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليطال التعاون والتحالفات بين الدول العربية وإسرائيل والولايات المتحدة.
على الصعيد الدولي، حركت هذه الأحداث تركيا ودول الخليج، خصوصًا قطر، لتحريك ملفات دبلوماسية مكثفة تستهدف إدانة التحركات الإسرائيلية، وعقد قمة عربية إسلامية طارئة في الدوحة لبحث الرد المشترك على ما وصف بالإعتداء على سيادة الدول وتوازنات المنطقة. كما عبرت حركة حماس عن اتهامها للإدارة الأميركية بمسؤوليتها المشتركة عن العدوان الإسرائيلي بسبب استمرار الدعم السياسي والعسكري للكيان الإسرائيلي، مطالبة بعصبة دولية تدعم حقوق الفلسطينيين.
في هذه اللحظة الحاسمة، تعيش حركة حماس مفترق طرق بين خيارات التصعيد العسكري في مواجهة الضربات المباشرة التي تتعرض لها خصوصًا في مراكز القيادة الدولية، وبين الرغبة في التهدئة والمفاوضات التي تبدو مهددة بفعل السياسة الإسرائيلية. ولا تزال منطقة الشرق الأوسط بأسرها تتابع بقلق تطورات المشهد الذي قد يغير قواعد الصراع برمته خلال الأسابيع القادمة.










