أثار العميد المنشق عن النظام السوري مناف طلاس جدلا واسعا بعد عودته المفاجئة إلى الساحة السياسية من خلال إعلان مبادرة جديدة تهدف إلى تشكيل مجلس عسكري سوري، تحت مظلة تنظيم أطلق عليه اسم “حركة التحرر الوطني السوري”. هذه المبادرة، التي طرحت في مؤتمر عقد مؤخرا في مدينة عفرين شمال حلب، جاءت في وقت حساس تمر فيه القضية السورية بمرحلة من الجمود السياسي والتراجع الدولي عن الانخراط الفعال في ملف الحل.
فما هي أبعاد هذه المبادرة؟ ومن هو مناف طلاس؟ وما دلالات الزمان والمكان لهذه العودة؟ وهل يمكن لهذا المشروع أن يشكل مخرجا فعليا من الأزمة، أم أنه مجرد محاولة جديدة ستنتهي كما انتهت محاولات سابقة؟
مبادرة طلاس: مشروع المجلس العسكري
في بيان مقتضب، أعلنت مجموعة من الضباط المنشقين، بقيادة مناف طلاس، عن تأسيس “حركة التحرر الوطني السوري”، والتي وصفت نفسها بأنها “مظلة وطنية غير فصائلية وغير أيديولوجية”، تهدف إلى تغيير النظام وتمكين الشعب السوري من بناء دولته الجديدة. وتؤكد الحركة أنها لا تسعى لتشكيل كيان عسكري تقليدي، بل تسعى لإيجاد مرجعية وطنية تضم طيفا واسعا من القوى السياسية والمدنية والعسكرية والعشائرية.
اللافت أن الإعلان جاء من مدينة عفرين الواقعة ضمن منطقة “غصن الزيتون” الخاضعة للسيطرة التركية ولفصائل الجيش الوطني، وهي منطقة متهمة بارتكاب انتهاكات ممنهجة بحق سكانها الأصليين، وفق تقارير أممية، مما يطرح تساؤلات حساسة حول الجهات التي تدعم المبادرة، ومصادر التمويل، والأهداف البعيدة لهذه العودة.

من هو مناف طلاس؟
ينتمي مناف طلاس إلى واحدة من العائلات الأكثر قربا من النظام السوري. والده، مصطفى طلاس، شغل منصب وزير الدفاع لأكثر من 3 عقود، وكان جزءا من النواة الصلبة للنظام البعثي. أما مناف، فقد تدرج في مناصب حساسة داخل الحرس الجمهوري، وكان مقربا من بشار الأسد شخصيا.
لكن في يوليو 2012، انشق مناف طلاس عن النظام في واحدة من أبرز الانشقاقات، وغادر إلى تركيا ثم فرنسا، حيث بدأ يطرح رؤى لما أسماه “مرحلة انتقالية بناءة”، داعيا إلى تأسيس مجلس عسكري انتقالي يجمع بين المنشقين و”العقلاء” من النظام.
رغم قربه السابق من السلطة، فقد تلقى طلاس تأييدا من بعض العواصم الغربية (فرنسا، الولايات المتحدة)، وذكر اسمه في تقارير ومبادرات متعددة كـ”خيار توافقي” لقيادة سوريا في مرحلة انتقالية، خاصة في مبادرات روسية-عربية منذ عام 2021.
توقيت ومكان الإعلان: دلالات حساسة
اختيار عفرين كموقع لعقد مؤتمر حركة التحرر الوطني بقيادة طلاس، لا يمكن قراءته بمعزل عن البعد الجيوسياسي. فالمدينة تخضع لسيطرة تركية مباشرة، ويبدو أن هذه المبادرة تمت إما برضا أنقرة أو بدعمها الضمني.
هذا يطرح تساؤلات عميقة:
هل تسعى تركيا لإعادة تشكيل واجهة المعارضة عبر شخصيات جديدة؟
هل تلقى طلاس ضوءا أخضر تركيا لتشكيل هذا المجلس العسكري؟
وهل تحاول أنقرة الدفع بحل بديل عن المسارات الأممية التقليدية (جنيف، أستانة)؟
مخاطر وتحديات
ورغم ما يبدو من توافق إقليمي أو دعم ضمني، فإن المبادرة تواجه رفضا واسعا من شريحة كبيرة من المعارضة السورية، لا سيما المدنية منها، التي ترى في طلاس امتدادا للنظام القديم، وشخصية غير مقبولة شعبيا، خاصة في ظل خلفيته العائلية وكونه كان جزءا من المنظومة القمعية التي ثار الشعب السوري ضدها.
كما أن بعض الضباط المنشقين مثل عمار الواوي وغيرهم، أصدروا بيانات صريحة ترفض منح أي دور قيادي لطلاس، وتدعو إلى تشكيل جيش وطني حر مستقل عن رموز النظام السابق.
ومن جهة أخرى، هناك مخاوف من تحول المبادرة إلى “ثورة مضادة” أو واجهة لتسوية سياسية تبقي على البنية الأمنية للنظام، تحت غطاء تغيير شكلي.
هل يشكل طلاس بديلا محتملا؟
في ظل انسداد المسار السياسي، ووجود قناعة دولية متزايدة بأن الحل العسكري غير مجد، برزت دعوات لإعادة هيكلة النظام عبر “حل من الداخل” بقيادة عسكرية تحظى بالقبول الإقليمي والدولي، وتستطيع ضبط الفوضى الأمنية، خاصة مع تصاعد نفوذ إيران وروسيا في الداخل السوري.
من هذا المنظور، قد ينظر إلى طلاس كـ”شخصية عبور” تمثل توازنا بين الداخل والخارج، بين النظام والمعارضة، وبين الطائفة السنية التي ينتمي إليها، والخلفية العسكرية التي تمكنه من فرض الاستقرار.
عودة محفوفة بالتساؤلات
عودة مناف طلاس إلى المشهد عبر مبادرة “المجلس العسكري” و”حركة التحرر الوطني السوري”، تمثل تطورا لافتا في سياق الركود السوري الحالي. لكنها في ذات الوقت، تفتح بابا واسعا للجدل حول مستقبل المعارضة، وطبيعة المرحلة الانتقالية، ومدى قبول السوريين لفكرة “الحل من داخل النظام السابق”.
ما بين دعم محتمل من أنقرة، ورفض من الشارع والمعارضة المدنية، تبقى مبادرة طلاس محاولة محفوفة بالمخاطر، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن تبدلات في الرهانات الإقليمية والدولية، وتلميحات إلى نهاية محتملة للمرحلة الحالية من الصراع السوري.
هل سيكون طلاس رجل المرحلة القادمة؟ أم مجرد عودة إعلامية سرعان ما ستختفي كما ظهرت؟
الجواب رهن بالقبول الشعبي، والاصطفافات الدولية، ومستقبل الحل السياسي في سوريا.










