بناء على التطورات الأخيرة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (12 سبتمبر 2025)، اعتمدت الجمعية مشروع قرار يؤيد “إعلان نيويورك” بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، بأغلبية ساحقة بلغت 142 صوتا مؤيدا، مقابل 10 أصوات معارضة و12 امتناعا عن التصويت من بينهم تونس وجنوب السودان.
هذا الإعلان، الذي صدر في يوليو 2025 خلال مؤتمر دولي رفيع المستوى برئاسة فرنسا والمملكة العربية السعودية، يحدد “خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها” نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، بما في ذلك وقف إطلاق النار الدائم في غزة، الاعتراف الفلسطيني بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، ورفع العقوبات والقيود على حركة الشعب الفلسطيني.
يأتي الاعتماد قبل 10 أيام من قمة عالمية مقررة في 22 سبتمبر 2025 برئاسة باريس والرياض، لتحويل الإعلان إلى خطة عمل فعلية تشمل مسارات سياسية، اقتصادية، أمنية، وقانونية.
امتناع تونس عن التصويت
وأثار امتناع تونس عن التصويت استغرابا واسعا في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية العربية، خاصة أن تونس تعتبر تاريخيا داعمة قوية للقضية الفلسطينية، كما أكد الرئيس قيس سعيد في بيانات سابقة دعمه “لاسترجاع الشعب الفلسطيني حقه في كل فلسطين وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف”.

ومع ذلك، أوضح المندوب التونسي في الأمم المتحدة، مونجي عمار، أن الامتناع جاء لأن النص “منقوص” و”يساوي بين الضحية والجلاد”، حيث يفتقر إلى إدانة صريحة للاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، ولا يفرض آليات تنفيذية ملزمة للقرارات الأممية السابقة (التي تجاوز عددها الألف).
و أكد عمار أن تونس “ستواصل دعمها الثابت للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة”، لكنها ترفض “الحلول الناقصة التي لا تضمن إنهاء الاحتلال”، مشددا على الحاجة إلى “تسمية الأشياء بأسمائها” وفرض احترام القانون الدولي.
إعلان نيويورك وأهميته
صدر الإعلان في 30 يوليو 2025، خلال مؤتمر دولي في نيويورك أقيم بناء على قرار الجمعية العامة (79/81) في ديسمبر 2024، وتم تأجيله من يونيو بسبب تصعيد الحرب في غزة.
ويعد الإعلان أول إطار عملي شامل منذ عقود لتنفيذ حل الدولتين، ويشمل:الخطوات السياسية، الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، منحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وإنهاء الاحتلال بناء على قرارات الأمم المتحدة (مثل 242 و338).
وكذلك وقف إطلاق النار الدائم، نزع سلاح الجماعات المسلحة في غزة (بما في ذلك حماس)، وإعادة إعمار القطاع مع ضمانات أمنية دولية.
وشد على رفع القيود على الاقتصاد الفلسطيني، إطلاق الإيرادات الجمركية الفلسطينية المحتجزة، ودمج فلسطين في النظام المالي الدولي.
وأيضا أكد معارضة الاستيطان الإسرائيلي وتهديدات الضم، مع التزام بآراء محكمة العدل الدولية (19 يوليو 2024).
ترحيب واسع
رحبت دولة فلسطين بالاعتماد كـ”خطوة تاريخية”، مشيدة بدور السعودية وفرنسا، ودعت إلى تحويله إلى “خطة عمل ملزمة”.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين رسميا في سبتمبر 2025، ودعا إلى “تعبئة المجتمع الدولي” لفرض الإعلان.التصويت التفصيلي وردود الفعلحصل القرار على تأييد واسع، لكنه لم يحظ بالإجماع بسبب الامتناعات والمعارضة.
التصويت بناء على التقارير الرسمية
مؤيدون 142 دولة أبرزهم، السعودية، فرنسا، مصر، الأردن، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة (دعم مشروط)، الصين، روسيا، معظم الدول العربية والإفريقية والآسيوية.
معارضون 10
إسرائيل، الولايات المتحدة (في بعض التقارير، لكنها امتنعت في التصويت النهائي)، بعض الدول الأوروبية الشرقية، ودول كاريبية.
الممتنعون 12
تونس، المجر، بولندا، جنوب السودان، بعض الدول الأوروبية، ودول أمريكا اللاتينية.
ردود الفعل العربية:
أثنى الرئيس الفلسطيني محمود عباس على التصويت كـ”مخرج للمؤتمر الأممي”، ودعا الفصائل الفلسطينية (بما في ذلك حماس) إلى الالتزام بحل الدولتين ضمن وقف إطلاق نار وانسحاب إسرائيلي.
امتناع تونس يثير جدلا
في تونس، أثار الامتناع جدلا داخليا؛ نشطاء على وسائل التواصل اتهموا الحكومة بـ”التناقض”، بينما دافع الرئيس سعيد عنه كـ”موقف مبدئي يرفض التسوية الناقصة”.
ورحبت فرنسا والسعودية بالاعتماد، وأعلنت المملكة المتحدة ومالطا نيتهما الاعتراف بفلسطين في سبتمبر.
أما إسرائيل، فوصفت الإعلان بـ”غير واقعي”، معتبرة أنه يتجاهل “التهديدات الأمنية” من حماس. الولايات المتحدة أيدت الإعلان مشروطا بـ”التزام فلسطيني بمكافحة الإرهاب”.
التأثيرات المحتملةدبلوماسيا:
يعزز الإعلان الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان والحرب في غزة (التي أسفرت عن أكثر من 64 ألف قتيل فلسطيني)، ويفتح أبوابا لقمة 22 سبتمبر لتحديد جدول زمني (مثل اعتراف دولي بفلسطين بحلول 2026).
بالنسبة لتونس، قد يعكس الامتناع سياسة سعيد الشعبوية، التي تركز على “الحقوق الكاملة” دون تسويات، لكنه يثير مخاوف من عزلة دبلوماسية في الجامعة العربية.










