في مشهد أعاد إلى الأذهان أجواء “مهرجان شيراز للفنون” الذي كان ينظم في عهد الدولة البهلوية، تحول حفل افتتاح مدينة الملاهي “جنات بارك” في مدينة شيراز الإيرانية إلى محور أزمة سياسية واجتماعية واسعة النطاق، وذلك بعد تداول مقطع فيديو يظهر أطفالا ومراهقين يرقصون على أنغام موسيقى بوليوودية، ما أثار موجة من الجدل والغضب في أوساط السلطة الدينية والأمنية.
بداية الحكاية: رقصة في عيد المولد
في مساء الأربعاء، 10 سبتمبر/أيلول، نظم احتفال في “حديقة جنات” بالتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف، وشهد الحفل عروضا موسيقية شارك فيها أطفال ونساء، من بينهم فتاة صغيرة ظهرت وهي ترقص بلا حجاب على أنغام أغنية هندية من فيلم “Day of the Gun” (تون ماري إنتريان)، ما أثار حفيظة المحافظين ووسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري.
ورغم أن غالبية الحضور كانوا من العائلات المحتفلة بالمناسبة، فإن الفيديو أثار عاصفة من الهجوم، وبدأت موجة انتقادات شديدة طالت بلدية شيراز والقطاع الخاص المنظم للفعالية.
قرارات عاجلة وردود رسمية
سريعا، أعلن مستثمر المجمع عن فصل مدير مدينة الملاهي بسبب ما وصفه بـ”التقصير في الإشراف”، بينما صرح هومان معصومي، رئيس قسم الاستثمار في بلدية شيراز، أن الحفل “لم ينسق مع البلدية ولم يحصل على التراخيص اللازمة”، معتبرا أن المشغل الخاص تصرف بطريقة “عشوائية”.
أما المدعي العام الثوري في محافظة فارس، كامران ميرحاجي، فقد وصف الحدث بأنه “مظهر من مظاهر الفساد” متوعدا بـ”الرد الحازم” ضد كل من تورط في تنظيم الحفل، مضيفا أن “مثل هذه التصرفات لن تمر دون محاسبة”.
انقسام في الشارع الإيراني
ورغم الهجمة الرسمية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الرسائل المؤيدة للحفل، حيث رحب كثيرون بـ”لحظة فرح نادرة” وسط أجواء القمع والخوف، مؤكدين على حق الأطفال والمراهقين في التعبير عن البهجة.
لكن على الطرف الآخر، اعتبر مستخدمون مقربون من النظام أن ما حدث “إهانة للمقدسات” و”تدنيس للمولد النبوي”، ودعوا إلى محاسبة رئيس الجمهورية مسعود بيزكيان، معتبرين أن مثل هذه الحوادث تعكس “انفلاتا في القيم”.
هل الرقص ممنوع؟
ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها الرقصات الجماعية في إيران إلى قضية أمنية. ففي عام 2014، ألقي القبض على مجموعة من الشباب والشابات بعد نشرهم مقطع فيديو راقص على أغنية “Happy” للمغني الأميركي فاريل ويليامز، وتمت محاكمتهم بتهمة “الإخلال بالآداب العامة”.
وبحسب مراقبين، فإن النظام الإيراني لا ينظر إلى الرقص أو التعبير الجماعي عن الفرح على أنه فعل بريء، بل يراه تحديا سياسيا وثقافيا للهوية الإسلامية الرسمية للدولة، خصوصا إذا ما حدث في مناسبات دينية.
بلدية شيراز تنأى بنفسها
المتحدث باسم بلدية شيراز، علي ديانتي، وصف الحفل بأنه “غير قانوني”، مشيرا إلى أن “مشغل المجمع الخاص لم يحصل على ترخيص لإقامة هذا النوع من البرامج”، وأضاف أن “إقامة مثل هذا الحفل تحت مظلة مناسبة دينية أمر غير مقبول ومؤلم للمواطنين المتدينين”.
وفي محاولة للتهرب من المسؤولية، ألقت البلدية باللائمة على القطاع الخاص، فيما انتقد بعض المسؤولين المحليين “ضعف الرقابة” من الجهات المعنية.
أزمة أوسع من مجرد حفل
ما حدث في شيراز يعكس الانقسام العميق داخل المجتمع الإيراني بين جيل يسعى للتنفس والاحتفال، وسلطة ترى في كل مظاهر الفرح تهديدا للهوية الدينية والأمن القومي. وبينما يرى البعض في الرقص مجرد لحظة فرح لأطفال، يراه النظام “مؤامرة ثقافية” تستهدف قيم الجمهورية الإسلامية.
ومع تصاعد الضغط الشعبي ضد القيود الاجتماعية، يبدو أن مثل هذه الحوادث ستظل تتكرر، ما لم يحدث تغيير جذري في النظرة الرسمية للثقافة والحرية الشخصية.










