في الأيام الأخيرة جدلاً واسعًا عقب رد المجلس الإسلامي على مذكرة شبابية حذّرت من إغلاق بعض المحلات التجارية أثناء الصلاة. المجلس استشهد بالآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]
واعتبر أن توقف التاجر عن عمله حق دستوري وحرية دينية. للوهلة الأولى يبدو الموقف مشروعًا، بل طبيعيًا. لكن السؤال الأعمق: هل تبقى هذه مجرد حرية دينية، أم أنها الخطوة الأولى في مشروع أكبر؟
من الخرطوم إلى كابول: التاريخ يحذّرنا
التجارب واضحة أمامنا:
- الخرطوم: بدأت بقرارات جزئية، ثم تحوّلت إلى هيمنة كاملة للحركات الإسلامية على الدولة والمجتمع.
- الصومال ونيجيريا: دخلت المجموعات الدينية من بوابة “الحق الدستوري”، ثم فرضت وصايتها على الثقافة والسياسة معًا.
- أفغانستان: ما كان في البداية دعوة إلى الصلاة أصبح نهاية لكل تنوع، وصعودًا لنسخة صارمة من “الحكم الديني”.
هذه النماذج تخبرنا أن الحركات الإسلامية السياسية بارعة في استخدام الأنظمة العلمانية والديمقراطية كـ حصان طروادة: تدخل من باب الحقوق والواجبات، ثم تتحول تدريجيًا إلى سلطة شاملة تمسك بتفاصيل المجتمع كافة.
جوبا على المحك
اليوم يغلق التاجر محله وقت الصلاة، وغدًا قد يُفرض إغلاق المطاعم في رمضان، وبعدها قد تُلغى الحفلات الموسيقية أو الأنشطة الثقافية. قد يبدو هذا للبعض “مبالغة”، لكنه بالضبط ما حدث في الخرطوم، ثم تكرر في أماكن أخرى.
حرية العبادة حق لا نقاش فيه، لكن الخطر أن تتحول هذه الحرية إلى سلسلة من التدخلات الصغيرة التي تُقيد المجتمع بأكمله.
المجتمعات لا تسقط بضربة واحدة، بل بخطوات صغيرة غير مدروسة. جوبا اليوم أمام سؤال وجودي: هل ستظل مدينة للتنوع والحرية المدنية، أم ستنزلق ببطء لتصبح “كابول أفريقيا”؟
الحفاظ على التوازن بين الحق الفردي والهوية المدنية مسؤولية الجميع، وإلا وجدنا أنفسنا نعيش في مدينة بلا موسيقى، بلا أمسيات حرة، وبلا روح، تحت هيمنة مشروع يتغذى على صمتنا وتراخينا.










