يعرف يووسي كوهين بقدرته الفريدة على الحفاظ على الأسرار والعمل في الخفاء. على مدى نحو 40 عاما، عمل كمدير سابق لجهاز الموساد الإسرائيلي في الظل، يجند العملاء، يزرع المؤامرات، وينفذ عمليات داخل أراضي العدو، مسطرا مسيرة طويلة من النجاح والخبرة الاستخباراتية.
الأسبوع الماضي، كسر كوهين صمته وأطلق تصريحا صريحا في مكتبه بتل أبيب، مؤكدا أن إسرائيل بحاجة إلى قيادة جديدة. قال بحزم: “البلاد بحاجة إلى قيادة جديدة”، وأضاف أنه إذا دعت الحاجة، فهو مستعد لتقديم هذه القيادة. وفي تصريح نادر لصحيفة “تايمز” البريطانية، أضاف كوهين: “لقد خلعت قفازي. أحتاج لأن أكون صادقا مع شعب إسرائيل. نتانياهو لا يستطيع تحقيق التغيير الذي نحتاجه”.
يحمل كوهين لقب “النموذجي” بسبب مظهره الأنيق، وعظام وجنتيه البارزة، وشخصيته الساحرة التي تجعله متفردا في عالم الاستخبارات والسياسة. يتقن كوهين عدة لغات بينها العبرية، الإنجليزية، العربية، والفرنسية، ويعتبر قدرة تواصله مع خصومه وحلفائه، لا سيما مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، أحد أهم سماته.
من الظل إلى العلن: سيرة ومسيرة استثنائية
في سيرته الذاتية التي حملت عنوان “سيف الحرية”، وثق كوهين رحلته من بداية صعوده إلى قمة الموساد، متحدثا عن علاقته المعقدة والمميزة بنتانياهو، حيث شكلت هذه العلاقة مسار عمله وجعلته شخصية مؤثرة في جهاز الاستخبارات.
رغم أنه لم يحدد بعد قراره بالدخول في السياسة، إلا أن تصريحاته تحمل تلميحات واضحة إلى احتمال ترشحه مستقبلا. قال كوهين: “إذا صرت يوما رئيسا للوزراء، أعرف أولويتين أساسيتين: الوحدة والخدمة من الجميع”.
ولد يووسي كوهين عام 1961 في حي القطامون بالقدس لعائلة ذات خلفية دينية متشددة، حيث كان والده آيره مقاتلا في منظمة الإرجون السرية، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها إرهابية، فيما كانت والدته مينا مديرة مدرسة دينية للبنات، ودارسة للقانون الشرعي، وعاملة تطوعية مع الشباب والفقراء.
نشأ كوهين متوازنا بين الحياة الدينية الصارمة التي أحاطت به، ورغباته الشخصية في حياة أكثر انفتاحا، ما أكسبه قدرة فريدة على التكيف والعيش بحياة مزدوجة بين التقاليد والانفتاح.
تقييمه لأحداث أكتوبر والفشل الأمني
وصف كوهين هجمات 7 أكتوبر بأنها “أكبر فشل أمني لإسرائيل على الإطلاق”، مؤكدا أن “خط الاستخبارات انهار، وكان ذلك غير مقبول وغير مبرر”. وأشار إلى أنه دفع منذ توليه الموساد الحكومة للسماح لجهازه بالتدخل في جمع المعلومات داخل غزة، لكن جهاز الشاباك (شين بيت) رفض ذلك مؤكدا أن ذلك من اختصاصه.
رؤى سياسية وأمنية مستقبلية
يرى كوهين أن حملته السياسية المحتملة ستركز على القضايا الداخلية، وليس على ملف السلام الذي يشمل انسحاب المستوطنين من الضفة الغربية، حيث يدعم نمو المستوطنات في المنطقة C من الضفة، لكنه ينتقد المستوطنين الذين يمارسون العنف ضد الفلسطينيين.
يعتبر كوهين أن أكبر إنجازاته كان ضمان “إيران بلا نووي” عبر استراتيجيته المعتمدة على الاستخبارات البشرية، التي وصفها بأنها “أكبر أصوله”. بخصوص الضربات الإسرائيلية ضد إيران في يونيو الماضي، اعتبرها فرصة ضائعة لتغيير النظام، مشيرا إلى أن الشعب الإيراني وحده من يجب أن يقرر مستقبل بلاده.
من مدير الموساد إلى محتمل رئيس وزراء
يووسي كوهين، الرجل الذي أمضى عقودا في عالم الغموض والتجسس، بدأ يظهر الآن بوجه أكثر وضوحا أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي. تصريحاته الجريئة حول الحاجة إلى تغيير القيادة في إسرائيل، وانتقاده المباشر لرئيس الوزراء الحالي، تفتح الباب أمام احتمالات جديدة في المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث قد يكون كوهين الرجل الذي يملك مفاتيح وحدة إسرائيل وخدمتها للجميع.










