انتخبت الجمعية العامة للأخوية السينائية، سمعان بابادوبولوس رئيسا جديدا لدير سانت كاترين التاريخي في سيناء، خلفا لرئيس الأساقفة المطران داميانوس، الذي استقال بعد أكثر من نصف قرن من رئاسته للدير، وسط انقسامات داخلية وصراع محتدم حول القيادة.
بابادوبولوس، الذي حصل على 19 صوتا من أصل 20 مع ترك صوته الخاص فارغا احتراما للتقاليد الرهبانية، يعد شخصية توافقية بين الطرفين المتنازعين داخل الأخوية، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية لإعادة توحيد الجماعة الرهبانية، وطي صفحة من التوتر والانقسام.
خلفية الصراع داخل الدير
جاءت استقالة داميانوس في أعقاب تصاعد الخلافات مع مجموعة من الرهبان المعارضين لأسلوب إدارته، حيث وصفهم في تصريحات سابقة بـ”المتآمرين الانقلابيين”.
وبلغ التوتر ذروته بعد صدور حكم قضائي مصري في مايو/أيار الماضي يمنح رهبان الدير حق الانتفاع بالأراضي، لكنه يؤكد ملكية الدولة لها، مما أثار مخاوف من احتمال سحب بعض الأصول التاريخية التابعة للدير.
القرار القضائي أحدث هزة كبيرة داخل الأخوية، وأدى إلى انقسام في الرؤية بشأن أسلوب التعامل مع السلطات المصرية، ما عجل برحيل داميانوس، الذي واجه اتهامات بالتقصير في حماية مصالح الدير.
انتخاب توافقي ورسائل إيجابية
بحسب موقع iefimerida اليوناني، فإن التصويت على بابادوبولوس جاء بإجماع شبه كامل من المؤيدين والمعارضين للرئيس السابق، في خطوة وصفت بأنها “إيجابية” ومبشرة بإعادة الاستقرار إلى أروقة الدير.
ويعد الرئيس الجديد شخصية معتدلة وتحظى بثقة كل من الجماعة الرهبانية والدولة اليونانية، إضافة إلى قبوله من الجانب المصري.
ومن المتوقع أن يكلف بابادوبولوس قريبا بتمثيل الدير أمام الدولة المصرية، بعد حصوله على الجنسية المصرية، وهي خطوة ضرورية لتوقيع اتفاقية منتظرة بين مصر واليونان تتعلق بالوضع القانوني للدير وحقوقه في الأراضي والأصول، بما يضمن الحفاظ على الطابع الأرثوذكسي اليوناني للموقع التاريخي.
أبعاد سياسية ودبلوماسية
يأتي هذا التطور وسط توتر في العلاقات المصرية–اليونانية بشأن دير سانت كاترين، خاصة بعد الحكم القضائي المشار إليه، والذي اعتبرته الكنيسة اليونانية “تهديدا وجوديا” للدير.
وقد أعرب رئيس أساقفة أثينا، إيرونيموس الثاني، عن قلقه العميق مما وصفه بمحاولات “مصادرة” ممتلكات الدير، معتبرا إياه “منارة روحية للأرثوذكسية والهوية اليونانية”.
في المقابل، ردت الرئاسة المصرية في بيان رسمي بأن مصر ملتزمة تماما بالحفاظ على الطابع المقدس والفريد للدير، معتبرة الحكم القضائي “ترسيخا قانونيا” لوضعية الدير، لا انتقاصا منها.
اتفاق مرتقب بين مصر واليونان
من المنتظر أن يوقع رئيس الدير الجديد اتفاقا رسميا مع الحكومة المصرية، يتعلق بتنظيم الوضع القانوني لأراضي الدير، ويعد شرطا أساسيا لأي اتفاق ثنائي بين القاهرة وأثينا في هذا الصدد.
وكانت السلطات المصرية، وفق تقارير يونانية، قد استخدمت الأزمة الداخلية بالدير لتأجيل التوقيع على الاتفاق، نظرا لكون داميانوس هو الشخص الوحيد الذي يحمل الجنسية المصرية من بين الرهبان.
مع تعيين بابادوبولوس، يفترض أن يتم تسريع العملية التفاوضية، لا سيما بعد أن اعتبرت وزارة الخارجية اليونانية أن الحكومة المصرية تبدي الآن “استعدادا حقيقيا للتوصل إلى اتفاق يحفظ هوية الدير الأرثوذكسية”.
ويشكل انتخاب سمعان بابادوبولوس محطة مفصلية في تاريخ دير سانت كاترين، أحد أقدم الأديرة المسيحية في العالم، ليس فقط على المستوى الديني، بل أيضا على المستوى السياسي والدبلوماسي بين دولتين ترتبطان بتاريخ طويل من التفاهم، ولكن أيضا من الحساسيات القومية والدينية.
يبقى أن تترجم هذه الخطوة إلى تسوية حقيقية تحفظ الطابع التاريخي للدير، وتضمن استمرار دوره الروحي والثقافي في سيناء، بعيدا عن التجاذبات القانونية والسياسية.










