أثار الحكم القضائي الصادر بحق الناشطة النسوية المغربية ابتسام لشكر موجة واسعة من الجدل والغضب على الصعيدين المحلي والدولي، بعد أن قضت المحكمة الابتدائية في الرباط بسجنها 30 شهرا وتغريمها 50 ألف درهم مغربي (نحو 5500 دولار)، على خلفية نشر صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي ترتدي فيها قميصا كتب عليه عبارة “الله مثلية” (God is a Lesbian).
القضية: منشور فردي يتحول إلى قضية رأي عام
تعود بداية القضية إلى مطلع أغسطس الماضي، عندما نشرت لشكر، البالغة من العمر 50 عاما والمعروفة بمواقفها الصدامية في الدفاع عن الحريات الفردية وحقوق النساء والمثليين، صورة على حسابها في منصة X (تويتر سابقا) ترتدي فيها قميصا كتب عليه:
“الله” (باللغة العربية)، تليها عبارة “is lesbian” (بالإنجليزية)، في تصميم أثار موجة من الغضب والاستنكار عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب محاميها محمد الخطاب، فقد استند الحكم إلى الفصل 267.5 من القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب على “الإساءة إلى الدين الإسلامي”، والذي يفرض عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى عامين، وتصل إلى خمس سنوات إذا تم ارتكاب الفعل علنا أو عبر الوسائل الإلكترونية.
تصريحات ومواقف: بين الاتهام والدفاع
في أول تصريح بعد الحكم، أكد المحامي محمد الخطاب أن فريق الدفاع سيستأنف الحكم فورا، واصفا القرار بأنه “قاس وغير متناسب مع الواقعة”.
من جانبها، قالت محاميتها نعيمة الكلاف إن موكلتها تعاني من مرض السرطان وتحتاج إلى عملية جراحية عاجلة في يدها اليسرى، محذرة من أن استمرار احتجازها قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بل حتى بتر اليد. وقد تم رفض طلب الإفراج المؤقت عنها لأسباب صحية.
وفي دفاعها أمام المحكمة، أوضحت ابتسام لشكر أن العبارة التي ظهرت على قميصها ليست موجهة ضد الإسلام، بل “شعار نسوي معروف منذ سنوات، يعكس رفض القمع الجنسي والديني والعنف ضد المرأة”، بحسب قولها.
ردود أفعال: تضامن دولي وغضب حقوقي
منظمة “هيومن رايتس ووتش” أدانت الحكم ووصفته بأنه “ضربة قاسية لحرية التعبير” في المغرب، داعية السلطات إلى إسقاط التهم فورا والإفراج عن ابتسام لشكر، ومطالبة بإلغاء القوانين التي تجرم “الكفر” أو “الإساءة إلى الدين” باعتبارها أدوات تستخدم لتكميم الأفواه وقمع الأصوات المختلفة.
كما وصف حكيم سيكوك، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الحكم بأنه “صادم وغير مبرر”، معتبرا أنه يندرج في إطار “الاعتداء على حرية التعبير والحق في التعبير عن المعتقد أو نقده”.
في المقابل، دافعت أطراف دينية ومحافظة عن الحكم، معتبرة أن ما قامت به الناشطة يمثل “إهانة صريحة للذات الإلهية والدين الإسلامي”، ويجب أن يواجه بحزم لمنع تكرار مثل هذه “الإساءات”، وفق تعبيرهم.
سياق سياسي واجتماعي مضطرب
يأتي هذا الحكم في وقت يشهد فيه المغرب توترا متزايدا بشأن الحريات الفردية، وخصوصا فيما يتعلق بحرية التعبير، وحقوق المرأة، والمثليين، وقضايا حرية العقيدة. وتتعرض ناشطات وناشطون علمانيون لضغوط وتهديدات مستمرة، وسط انقسام حاد في المجتمع بين التيارات المحافظة والليبرالية.
قميص يتحول إلى اختبار حرية التعبير
تحولت صورة ابتسام لشكر بقميص مثير للجدل من منشور فردي على منصة اجتماعية إلى قضية رأي عام تمس جوهر الصراع بين الحريات الفردية والقيود الدينية والقانونية في المغرب.
فيما يرى البعض أنها تجاوزت الخطوط الحمراء، يؤكد آخرون أنها ضحية نظام قانوني يستخدم لإسكات الأصوات المختلفة.
ويبقى السؤال: هل سيصمد الاستئناف أمام سلطة قضائية كثيرا ما وصفت بأنها محافظة؟ أم ستكون قضية لشكر بداية جديدة لمعركة أوسع من أجل حرية التعبير في المغرب؟










