شهدت منظومة التأمين الصحي الشامل في مصر خلال السنوات الأخيرة اهتمامًا كبيرًا من قبل الحكومة باعتبارها أحد أهم مشروعات تطوير القطاع الصحي وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ومع ذلك، تواجه هذه المنظومة تحديات وأزمات متصاعدة تهدد استمراريتها وجودة خدماتها، مما يستدعي تسليط الضوء عليها بكل شفافية وموضوعية.
تعتمد منظومة التأمين الصحي الشامل على تقديم خدمات طبية شاملة للمواطنين وفق نظام متكامل يغطي التشخيص والعلاج والأدوية والعمليات الجراحية، بالإضافة إلى الخدمات الوقائية والتثقيف الصحي. وقد بدأت الحكومة تطبيق هذا المشروع على مراحل في محافظات عدة، بهدف تعميمه لكافة أنحاء الجمهورية، إلا أن العديد من المشكلات ظهرت بشكل واضح خلال السنوات الماضية.
أول هذه الأزمات هي نقص الإمكانيات الفنية والبشرية في المستشفيات والمراكز الطبية التابعة لمنظومة التأمين الصحي الشامل. فبالرغم من ضخ الموارد المالية في تجهيز هذه المنشآت، إلا أن هناك تحديات مستمرة في توفير عدد كافٍ من الأطباء المتخصصين، والممرضين، والفنيين المؤهلين. هذا النقص يؤدي إلى ظاهرة الاكتظاظ والانتظار الطويل للمرضى، مما ينعكس سلبًا على جودة الخدمة.
ثانيًا، تتعرض منظومة التأمين الصحي الشامل لمشكلات في البنية التحتية التكنولوجية التي تعتمد عليها في تسجيل البيانات الطبية ومتابعة الحالات بدقة. كثير من المراكز تواجه صعوبات تقنية في أنظمة السجلات الإلكترونية، ما يؤدي أحيانًا إلى فقدان ملفات المرضى أو عدم تحديثها بدقة، وهو ما يمثل عائقًا أمام تقديم خدمة صحية متكاملة وموثوقة.
ثالثًا، هناك إشكالية في التمويل والاستدامة المالية للمنظومة، إذ أن الاعتمادات المالية المقدمة من جهة الدولة لا تتناسب مع حجم الخدمات المقدمة وعدد المستفيدين، خاصة مع زيادة الطلب بعد تعميم التغطية على شرائح أوسع من السكان. هذا العجز يؤدي إلى تأخر صرف مستحقات الأطباء والمستشفيات، ويؤثر في نهايات المطاف على مستوى الخدمة.
رابعًا، يتم تسجيل شكاوى واسعة النطاق من جانب المواطنين حول سوء معاملة بعض مقدمي الخدمة الصحية داخل منظومة التأمين الشامل، سواء من حيث التأخير أو التقليل من شأن المرضى، أو ضعف المعدات الطبية في بعض المنشآت. هذه الشكاوى تضع منظومة التأمين الصحي في موقف حرج أمام الرأي العام، وتحتاج إلى إصلاح فوري على مستوى الإدارة والرقابة.
خامسًا، ثمة تحدي يتعلق بمدى وعي المستفيدين بحقوقهم وطرق استخدام المنظومة، حيث يعاني العديد منهم من ضعف المعلومات حول كيفية التسجيل، والاستفادة من الخدمات، والتعامل مع حالات الطوارئ. هذا الأمر يترك الباب مفتوحًا للممارسات الخاطئة والابتزاز أحيانًا، مما يقلل من ثقة المواطن في النظام.
ردًا على هذه الأزمات، بدأت الحكومة خلال الأشهر الأخيرة بإطلاق عدة مبادرات إصلاحية وتحسينية مثل إعادة تدريب الكوادر الطبية، تطوير البنية التحتية الرقمية، وزيادة التمويل الخاص بالمستشفيات، إلى جانب فتح قنوات تواصل مباشرة مع المواطنين لتلقي الشكاوى والعمل على حلها بسرعة. ولكن لا يزال هناك طريق طويل لتجاوز العقبات واستكمال إنشاء منظومة صحية متكاملة تخدم جميع المصريين بكفاءة وعدالة.
في النهاية، تبقى منظومة التأمين الصحي الشامل في مصر مشروعًا اجتماعيًا هاما يعكس رؤية الدولة في توفير حقوق صحية متساوية لمواطنيها، لكن نجاحها يتطلب تعاونًا فعّالًا بين الجهات الحكومية والمجتمع، وضغطًا مستمرًا من الإعلام والرأي العام لمحاسبة المسؤولين وتحقيق إصلاحات جذرية.










