كشف تقرير صادم صدر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان عن اختلاس أكثر من 25.2 مليار دولار من عائدات النفط منذ استقلال البلاد عام 2011، متهما النخبة السياسية بارتكاب عمليات نهب منهجية تسببت في حرمان ملايين المواطنين من الخدمات الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي تشهدها الدولة الوليدة.
فساد ممنهج ونتائج كارثية
يحمل التقرير عنوانا دالا: “نهب أمة: كيف أطلق الفساد المستشري العنان لأزمة حقوقية في جنوب السودان”، ويحمل المسؤولية مباشرة للنظام الحاكم، مؤكدا أن الفساد لم يكن حالات فردية بل نظاما متجذرا في مؤسسات الدولة.
وقالت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا:”الفساد هو المحرك لانهيار الدولة، وهو السبب المباشر لمعاناة المدنيين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.”
من جانبه، أشار المفوض كارلوس كاستريسانا فرنانديز إلى أن المبالغ المختلسة “ليست مجرد أرقام”، بل تعني أرواحا أزهقت بسبب الجوع، وسوء التغذية، وحرمان الأطفال من التعليم والرعاية الصحية.
أما المفوض بارني أفاكو فلفت إلى أن هذه الأموال نهبت من خلال “عقود مسيسة، وإنفاق خارج الموازنة، متغلغل في هياكل الدولة”، ما جعل الفساد بنية مركزية في منظومة الحكم.
دولة غنية… وشعب فقير
يأتي هذا التقرير في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة معيشية وإنسانية طاحنة، إذ تفيد منظمات إغاثة دولية بأن ثلثي السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في ظل تدهور البنية التحتية، وشح الغذاء، وانهيار النظام الصحي والتعليمي.
ورغم الثروة النفطية الكبيرة التي تمتلكها جنوب السودان، إلا أن غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يعتبره التقرير دليلا دامغا على أن “الثروة النفطية لم تخدم إلا قلة من المتنفذين”.
اتفاق سلام مهدد بالانهيار
لم يقتصر التقرير على الجانب المالي، بل حذر من تداعيات الفساد على الاستقرار السياسي، مؤكدا أن اتفاق السلام المنشط لعام 2018 يواجه خطر الانهيار، خاصة بعد اعتقال النائب الأول للرئيس ريك مشار في مارس الماضي، ما أدى إلى تفكك حركته المعارضة وتهديد التوازن الهش في الحكم.
وأشار التقرير أيضا إلى تعيين ابنة الرئيس سلفا كير، وزوجة نائب الرئيس بول ميل في مناصب عليا، معتبرا ذلك دليلا على استمرار المحسوبية وتقاسم النفوذ داخل النخبة الحاكمة.
رد رسمي متحفظ
في أول رد فعل حكومي، قلل وزير الإعلام مايكل مكوي لويث من شأن التقرير، قائلا:”الحكومة لم تتسلم التقرير رسميا بعد، ومعدوه يكتبون من غرف الفنادق دون استشارة السلطات في جوبا.”
ويعد هذا التصريح مؤشرا على غياب الاستعداد السياسي للاعتراف بالتهم أو معالجتها، ما يعزز المخاوف من استمرار الفساد دون محاسبة.










