شهد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني استقرارا كارثيا عند مستويات غير مسبوقة في السوق الموازي، حيث وصل اليوم الأربعاء، 17 سبتمبر 2025، إلى مستويات تعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
لم تعد الأرقام المتداولة مجرد تقلبات يومية عابرة، بل باتت مؤشرا مباشرا على انهيار شامل في القطاعات الإنتاجية والمالية، وهو الانهيار الذي أفرزته الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
وتتجلى فداحة الأزمة في الفجوة الهائلة بين السعر الرسمي المعلن من قبل المؤسسات المالية الحكومية والأسعار الفعلية التي يفرضها واقع السوق الموازي، مما يؤكد أن الاقتصاد السوداني بات يعمل ضمن نظام مزدوج، فقدت فيه السياسة النقدية الرسمية تأثيرها بشكل كامل.
الدولار في السوق الموازي في 17 سبتمبر 2025
تظهر البيانات المتاحة من مؤشرات السوق الموازي أن سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني يتذبذب حول حاجز 3580 جنيه.
وقد سجلت أسعار الصرف لليوم الأربعاء، 17 سبتمبر 2025، متوسطا يقارب 3580 جنيه سوداني للدولار الأمريكي الواحد.
وتشير مصادر أخرى إلى أن الأسعار تتراوح في السوق الرسمي بين 600.27 جنيه و601.241 جنيه، وهو ما يؤكد أن السوق الموازي قد وجد نقطة توازن جديدة عند هذا المستوى المرتفع.
كما يبرز التحليل أسعار صرف العملات الرئيسية الأخرى في السوق الرسمي كمرجعية، والتي تشمل الجنيه الإسترليني عند حوالي 588.68 جنيه، واليورو عند 484.56 جنيه، والريال السعودي عند 118.71 جنيه.
ومع ذلك، فإن هذه الأرقام لا تعكس أسعار التداول الفعلية في السوق الموازي الذي يشهد ارتفاعات مماثلة، لا سيما مع زيادة الاعتماد على تحويلات العاملين في الخارج، والتي تتم غالبا بالريال السعودي والدرهم الإماراتي، مما يجعل هذه العملات ذات أهمية متزايدة في المعاملات اليومية.
من الاستقرار الهش إلى الانهيار الكامل
كانت الأوضاع الاقتصادية قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023 تتسم بهشاشة شديدة، لكنها شهدت استقرارا نسبيا لسعر الصرف عند حاجز 560 إلى 570 جنيها للدولار الأمريكي.
ومع بداية النزاع، تهاوى الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق، حيث قفز سعر صرف الدولار في السوق الموازي من 570 جنيها ليصل إلى مستويات تراوحت بين 3500 و3580جنيه.
كان هذا الانهيار الفوري نتيجة مباشرة لحالة الذعر والفوضى وانهيار القطاع المصرفي في العاصمة الخرطوم، والذي كان يمثل الشريان الرئيسي للتعاملات المالية.
ترتبط الآثار الاقتصادية الكبرى للحرب بشكل مباشر بالانهيار المستمر في قيمة الجنيه. فقد أدى الصراع إلى تدمير منهجي للقطاعات الإنتاجية، حيث فقد القطاع الصناعي أكثر من 70% إلى 85% من وحداته الإنتاجية.
كما تأثر القطاع الزراعي، الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد، بنسبة تصل إلى 40%.
هذا التدمير أدى إلى شل حركة الصادرات، وخاصة صادرات الماشية والثروة الحيوانية والذهب التي تقدر بمليارات الدولارات، مما أدى إلى شح غير مسبوق في المعروض من العملات الأجنبية.
وبالتوازي مع انهيار الإنتاج، انهارت الإيرادات الحكومية بشكل حاد، حيث تراجعت الإيرادات الضريبية والجمركية بنسبة تتراوح بين 60% و70%.
ومع غياب أي مصادر للتمويل الخارجي أو القدرة على إصدار ديون جديدة، لجأت الحكومة إلى تمويل عجزها المالي مباشرة من خلال طباعة النقود.
وقد غذت هذه السياسة التضخم بشكل كارثي، مما أضعف القوة الشرائية للجنيه وأجبر المواطنين والشركات على الهروب من العملة المحلية والبحث عن ملاذ آمن في العملات الأجنبية، الأمر الذي زاد الطلب على الدولار وساهم في تدهور سعر الصرف في حلقة مفرغة.










