شهد المتحف المصري بالتحرير حادثة صادمة ومفاجئة تمثلت في سرقة إسوارة ذهبية أثرية نادرة تعود للعصر المتأخر من تاريخ مصر القديمة، تزن حوالي 600 جرام من الذهب الخالص، مما أثار زوبعة من التساؤلات حول طرق حماية التراث الوطني من الانتهاكات والسرقات داخل أهم المؤسسات الأثرية في البلاد.
تفاصيل الحادثة والسرقة
بدأت الواقعة بتلقي بلاغ رسمي من وكيل المتحف وأخصائي ترميم بالاختفاء الغامض للإسوارة من داخل خزينة حديدية مخصصة لمعرض الترميم. التحريات التي أجرتها وزارة الداخلية كشفت أن وراء سرقة الإسوارة موظفة من قسم الترميم بالمتحف استغلت تواجدها داخل المعمل يوم 9 سبتمبر 2025، حيث تمكنت باستخدام أسلوب المغافلة من فتح الخزينة وسرقة الإسوارة بدقة متناهية، قبل أن تقوم بالتحايل على إجراءات التأمين.
وفي رسالة اعترافات أظهرت التحقيقات، تبين أن الموظفة تواصلت مع أحد تجار الفضة في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، ليتم بيع القطعة الذهبية بمبلغ 180 ألف جنيه. ولم تتوقف التحريات عند هذا الحد، حيث اعترف التاجر بدوره أنه أعاد بيع الإسوارة لعامل في مسبك للذهب بمنطقة الصاغة مقابل 194 ألف جنيه، ليسعّر الربح السريع بحوالي 14 ألف جنيه. وأوضح الأخير أنه قام بصهر الإسوارة ودمجها ضمن مصوغات ذهبية أخرى، ليختفي بذلك أثرها التاريخي تمامًا.
ردود أفعال وإجراءات المتحف والجهات الأمنية
أثارت الحادثة موجة من الاستياء والقلق بين خبراء الآثار والمختصين، خصوصًا أن الإسوارة كانت تتبع لفترة العصر المتأخر، وتعود لملك من سلالة فراعنة من القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهي قيمة أثرية لا تقدر بثمن، ليست فقط بسبب وزنها الذهبي، بل لقيمتها التاريخية والفنية الفريدة.
من جانبها، أكدت وزارة الداخلية المصرية على حساسية الحدث وأعلنت عن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق المتورطين في السرقة. كما تم القبض على الموظفة المتهمة والتجار المتواطئين، وضُبطت المبالغ المالية الناتجة عن عملية البيع بحوزتهم، مع استمرار التحقيقات لكشف ملابسات الحادثة كاملة.
وفي تصريح رسمي، أعرب المتحف المصري عن استنكاره الشديد لهذا الحادث، داعيًا إلى تعزيز الرقابة الأمنية والإدارية داخل جميع الأقسام وخاصة مكان حفظ المعروضات الأثرية، كما وعد بإجراء مراجعة كاملة لأنظمة التأمين، خصوصًا مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يعتبر حدثًا مهمًا عالميًا لعرض كنوز الفراعنة.
تداعيات الحادثة وأهمية حماية التراث
تسلط هذه الواقعة الضوء مجددًا على التحديات الخطيرة التي تواجه حماية التراث المصري العريق، سواء من الداخل أو الخارج. فسرقة إسوارة ذات وزن كبير ومكانة تاريخية مرموقة داخل مؤسسة أركيولوجية رائدة تكشف هشاشة الإجراءات الأمنية الحالية.
ورغم التقدم التقني الذي يشهده المتحف المصري الكبير من حيث منظومات المراقبة والتأمين، إلا أن الحادثة في المتحف القديم بالتحرير كشفت عن ثغرات قد تحقق فرصة للعناصر غير النزيهة لاستغلال ثقة الوظيفة ومسؤولية الحفظ والتأمين.
ما يزيد الوضع خطورة هو أن الإسوارة، بعد صهرها وخلطها مع مصوغات أخرى، فقدت قيمتها التاريخية نهائيًا، لتتحول من كنز نفيس إلى مجرد قطع ذهبية تجارية، وهو ما يشكل خسارة لا يمكن تقديرها في التاريخ المصري.
الاستنتاجات والتوصيات
يؤكد خبراء الآثار والحقوقيون على ضرورة تشديد الرقابة الأمنية، وإعادة النظر في إجراءات الحماية داخل المتاحف المصرية، مع التوعية المستمرة بين العاملين بأهمية الحفاظ على الأمانة التاريخية والثقافية.
كما يوصون بإنشاء وحدات تحقق مستقلة داخل كل متحف، مع التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الكاميرات الحرارية والذكاء الاصطناعي لرصد أي تحركات مشبوهة فور وقوعها، خاصة في أماكن التخزين والترميم.










