في خطوة مثيرة للجدل تعكس إعادة تشكيل الأدوار في الشرق الأوسط، فوض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير بقيادة جهود سياسية ودبلوماسية واسعة لتصميم مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، من خلال خطة متعددة المستويات تهدف إلى إقامة هيئة انتقالية دولية تحل محل حركة حماس في إدارة القطاع.
تفويض من ترامب وخطة بديلة لتهجير السكان
بحسب ما كشفته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، جاء تفويض ترامب لبلير في إطار السعي لبلورة ما يسمى بـ”اليوم التالي” للحرب بين إسرائيل وحماس. وبحسب مسؤول أمريكي رفيع، فإن خطة بلير تطورت من كونها إطارا لمرحلة ما بعد الحرب إلى أداة لإنهاء الحرب نفسها، عبر التوصل إلى توافق حول من سيحكم غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية.
الخطة تأتي بعد تراجع ترامب عن تأييد أفكار طرحت سابقا، شملت الهجرة الطوعية للفلسطينيين، وتم ربطها بمشاريع مثل “Trump Riviera”، حيث شدد مسؤولون أمريكيون على أن الخطة الحالية تؤكد بوضوح أن “غزة للفلسطينيين”، وأن التهجير ليس مطروحا.
أبرز معالم الخطة: هيئة انتقالية بصلاحيات سيادية
تتضمن المسودة المتطورة للخطة – التي حصلت عليها الصحيفة – إنشاء كيان دولي جديد باسم “الهيئة الانتقالية الدولية لغزة” (GITA)، والتي ستتمتع بالسلطة السياسية والقانونية العليا في القطاع خلال المرحلة الانتقالية، بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
يتألف مجلس إدارة الهيئة من 7 إلى 10 أعضاء، بينهم:
ممثل فلسطيني يتمتع بالكفاءة السياسية،
مسؤول كبير من الأمم المتحدة،
شخصيات دولية مرموقة،
وممثلون من دول إسلامية لتعزيز القبول الإقليمي.
ويكون المجلس مكلفا بإصدار القوانين، المصادقة على التعيينات، وضع الاستراتيجيات، ورفع تقارير دورية إلى مجلس الأمن.
هيكلية متعددة الطبقات لإدارة غزة
تشمل الخطة إنشاء:
“الهيئة التنفيذية الفلسطينية” (PEA): لتولي إدارة الشؤون اليومية عبر وزارات تكنوقراطية.
“وحدة الحفاظ على حقوق الملكية”: لضمان حماية حقوق المهجرين واللاجئين الفلسطينيين.
“الأمانة التنفيذية”: للإشراف الإداري والتنسيقي على جميع مكونات الحوكمة.
“قوة الاستقرار الدولية” (ISF): لمنع عودة الجماعات المسلحة وفرض الأمن.
“وحدة الحماية التنفيذية”: قوات نخبة عربية ودولية لحماية قيادة الهيئة.
هيئة دولية للاستثمار: لضمان جذب الأموال اللازمة لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية.
ميزانية مرنة وخطة ممتدة
تبدأ الميزانية الأولية للهيئة بـ 90 مليون دولار في السنة الأولى، لتصل إلى 164 مليون دولار في السنة الثالثة، باستثناء تكلفة القوة الدولية والمساعدات الإنسانية، ما يعكس رؤية لخطة طويلة الأمد.
دور إقليمي ودولي حساس: السعودية ومصر وقطر على الطاولة
كلف بلير من قبل جاريد كوشنر، صهر ترامب، بوضع الخطة من خلال “معهد طوني بلير للتغيير العالمي” (TBI). وقد استغل بلير شبكة علاقاته الواسعة مع قادة في إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، ودول الخليج لصياغة الخطة.
إلا أن الخطة تواجه مطبات سياسية معقدة:
فرض الولايات المتحدة قيود تأشيرات على قيادات في السلطة الفلسطينية أعاق بعض لقاءات بلير الخليجية.
الضربة الإسرائيلية في 9 سبتمبر في الدوحة ضد قادة حماس عطلت مباحثات إقليمية كانت مقررة مع مصر وقطر.
السعودية لا تزال طرفا حاسما، إذ طلب ترامب من بلير إقناع ولي العهد محمد بن سلمان بدعم المبادرة، نظرا لقدرته على تعبئة الدعم العربي والدولي.
مواقف متباينة… وإسرائيل بين الترحيب والتردد
بينما أبدت إسرائيل استعدادا لمناقشة تفاصيل الخطة، أعرب دبلوماسي عربي عن تشككه، قائلا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “غالبا ما يسمح لمبعوثيه بخوض مفاوضات حساسة، ثم يتراجع عنها لحماية تماسك ائتلافه اليميني المتشدد”.
هذه الشكوك تعكس انقساما في المواقف الإقليمية والدولية تجاه فكرة إنشاء كيان دولي لإدارة غزة، خاصة إذا تم دون مشاركة فاعلة من الفصائل الفلسطينية.
هدف نهائي: استبعاد حماس دون نسف السلطة الفلسطينية
بحسب مصادر الخطة، تسعى المبادرة إلى إقصاء حماس من الحكم في غزة، ومنعها من استعادة السيطرة، مع الحفاظ على دور تنسيقي للسلطة الفلسطينية التي يتوقع أن تتولى الحكم لاحقا بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
مشروع طموح على صفيح ساخن
رغم ما تحمله خطة بلير من طموحات واضحة لإعادة بناء غزة وترسيخ الاستقرار، إلا أنها تبقى محاطة بالكثير من الغموض والاعتراضات، وسط مخاوف من فرض حلول من الخارج دون توافق فلسطيني داخلي أو إقليمي شامل.
وفيما تحاول إدارة ترامب تسويق الخطة كبديل واقعي للمأزق القائم، فإن فشل المبادرات السابقة، وصعوبة التوفيق بين المتناقضات السياسية، يجعل مصير هذه الخطة مرهونا بقدرتها على تجنب فخاخ الواقع، لا فقط رسم طموحات على الورق.










