في ظل الحرب الأهلية المستمرة التي دخلت عامها الثالث، يواجه السودان موجة قاتلة من وباء الكوليرا، وصفها الصليب الأحمر بأنها “الأسوأ منذ سنوات”. أكثر من 100 ألف إصابة مشتبه بها، وأكثر من 2,500 وفاة حتى 19 سبتمبر 2025، في بلد تمزقه الصراعات، ويعاني من انهيار شبه كامل في البنية التحتية والنظام الصحي.
موجة الكوليرا الأخطر في تاريخ السودان الحديث
تفشي الكوليرا الحالي يعد الأخطر من نوعه في تاريخ السودان الحديث، حيث انتشر في جميع الولايات تقريبا، باستثناء ولاية واحدة فقط. وتقول منظمة الصحة العالمية واليونيسف إن أكثر من 15 مليون شخص معرضون للخطر المباشر، من بينهم مئات الآلاف من الأطفال.
وتفيد التقارير بأن مستشفيات كاملة أغلقت، وشبكات المياه انهارت بسبب انقطاع الكهرباء وهجمات الطائرات المسيرة، ما أجبر الملايين على الاعتماد على مياه ملوثة من نهر النيل أو الآبار المكشوفة.
أرقام مرعبة تكشف عمق الكارثة

الخرطوم: من 1,500 حالة يوميا إلى 10 بفضل حملات التطعيم
بفضل حملة تطعيم شاملة في الخرطوم غطت 2.24 مليون شخص، انخفضت الإصابات اليومية من 1,500 إلى نحو 10–11 فقط. ومع ذلك، تؤكد مصادر طبية أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير بسبب ضعف التتبع في مناطق النزوح.
دارفور في عين العاصفة
في إقليم دارفور وحده، أعلنت المنسقية العامة للاجئين والنازحين عن 509 وفيات و12 ألف إصابة، مع تحذيرات من انتشار متسارع داخل المخيمات التي تفتقر لأبسط مقومات الرعاية. المتحدث آدم رجال ناشد منظمة الصحة العالمية توسيع نطاق التدخل العاجل، مشيرا إلى تدهور الخدمات الطبية ونقص الإمدادات.
الفاشر: آخر المدن المتبقية تحت سيطرة الحكومة
باستثناء مدينة الفاشر، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم دارفور، ما يصعب وصول الإمدادات والمساعدات الإنسانية، ويزيد تعقيد الوضع الصحي.
لماذا ينتشر الوباء بهذه السرعة؟
الحرب والنزوح الجماعي: تدمير 80% من المرافق الصحية في الخرطوم وحدها ونزوح أكثر من 3 ملايين شخص.
نقص المياه والصرف الصحي: تدهور البنية التحتية وإغلاق محطات تنقية المياه، والاعتماد على مصادر ملوثة.
الأمراض المصاحبة: تفشي الملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال.
التحديات اللوجستية: القتال يمنع فرق الإنقاذ من الوصول إلى مناطق حرجة، مع هجمات مباشرة على مستشفيات.
منظمات إنسانية تدق ناقوس الخطر
الصليب الأحمر: “الكوليرا تخرج عن السيطرة… نواجه كارثة لا تقل عن الحرب”.
اليونيسف: “الكوليرا مرض يمكن الوقاية منه، لكن النزوح جعل احتوائه شبه مستحيل”.
أطباء بلا حدود: تدعو إلى تعزيز الاستجابة الصحية وتوسيع نطاق التغطية الطبية للمخيمات.
▪︎ نقص تمويل حاد رغم الحاجة
وزارة الصحة السودانية أعلنت حالة الطوارئ الصحية، لكن النقابة الطبية اتهمت الحكومة بـ”التقليل من الأرقام”، ما يزيد من حدة الأزمة. ويحذر خبراء من مجاعة مرتقبة في حال استمرار عرقلة المساعدات.
هل يمكن احتواء الأزمة؟
التطعيمات: توزيع أكثر من 13.7 مليون جرعة لقاح شفهي ضد الكوليرا منذ 2023، منها 1.6 مليون في 2025 فقط.
التمويل العاجل مطلوب: تشير تقديرات إلى أن الحملة الحالية تحتاج إلى مضاعفة الدعم اللوجستي والمالي، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار.
تدخل دولي واسع النطاق: بات ضروريا منعا لانهيار كامل قد يهدد دول الجوار أيضا.
أزمة الكوليرا في السودان… وباء فوق رماد حرب
في بلد يعاني من انهيار الدولة، وانقسام المؤسسات، وتردي الخدمات، يبدو أن الكوليرا ليست سوى جزء من كارثة أوسع. الصراع المسلح لم يدمر فقط الأبنية والمرافق، بل فجر نظاما صحيا هشا لا يستطيع الصمود أمام وباء يمكن علاجه بسهولة في ظروف مستقرة. وبينما تستمر الحرب، لا تزال الكوليرا تحصد الأرواح بصمت في مخيمات ومعسكرات يغيب عنها الضوء.










