أطلق تنظيم “داعش” مؤخرًا دعوة صريحة لأنصاره لتنفيذ هجمات فردية داخل الأراضي الفرنسية، في تصعيد جديد يعكس استمرارية التنظيم في تبني استراتيجية “الذئاب المنفردة”. تزامن ذلك مع هجوم لاذع شنه التنظيم ضد حركة حماس، في محاولة لإبراز نفسه كالممثل الوحيد لـ”الإسلام الجهادي” في وجه ما يعتبره “انحرافات قومية وقانونية” للحركات الإسلامية الأخرى.
دعوات التحريض ضد فرنسا
في عددها الأخير، دعت مجلة “النبأ” – الذراع الإعلامية لتنظيم داعش – من وصفتهم بـ”الموحدين المسلمين” إلى تنفيذ هجمات تستهدف “المسيحيين واليهود” بكافة الوسائل المتاحة، مع تركيز خاص على الأراضي الفرنسية.
وجاء هذا التحريض ضمن ما يسميه التنظيم بـ”استراتيجية الألف جرح”، والتي تهدف إلى إنهاك المجتمع الفرنسي واستنزافه عبر عمليات فردية متكررة.
وتُبرز المجلة فرنسا كهدف مميز، بسبب قوانينها العلمانية ومشاركتها في التحالفات الدولية ضد الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، معتبرة هذه السياسات حربًا مفتوحة على الإسلام.
تحليل الدعاية وأبعادها
أشارت صحيفة لوفيارو الفرنسية إلى أن التنظيم يسعى لتأطير فرنسا كعدو مركزي في دعايته، حيث يرى أن سياستها تجاه المسلمين تعكس “إسلاموفوبيا مؤسسية”. وصرّح الباحث الفرنسي مارك هيكر بأن “فرنسا تتلقى معاملة خاصة” في الدعاية الجهادية، نظراً لدورها في التحالفات الدولية ضد التنظيمات المتطرفة، ولقوانينها الصارمة تجاه مظاهر التدين في الفضاء العام.
وتأتي هذه التهديدات الجديدة في ظل تقارير تشير إلى تقارب فرنسي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعتبره داعش “محاولة منافقة”، ويستخدمه كذريعة إضافية للتحريض.
التحريض الرقمي واستهداف الشباب
يركز داعش في حملاته الدعائية على المنصات الرقمية، مثل “تيليغرام”، “روكيت تشات”، و”جيمسبيس”، حيث ينشر عناصره محتوى مرئياً متنوعاً يشمل صوراً مولدة بالذكاء الاصطناعي، أذكاراً دينية، ومقاطع مستوحاة من ألعاب الفيديو.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى جذب الشباب الغربي، لا سيما المسلمين منهم، عبر خطاب يدمج الرموز الدينية بالمظلومية السياسية والاجتماعية. ووفق دراسة أعدتها لورين رينو، طالبة دكتوراه في علوم اللغات، يستخدم التنظيم خطاب “الضحية” لتبرير العنف وتحويل الشعور بالإحباط والتمييز إلى حافز للانتقام.
انتقادات داعش لحماس
في تحول لافت، شن التنظيم هجومًا حادًا ضد حركة “حماس”، واصفاً إياها بـ”الجماعة القومية الإسلامية” التي تقبل بالقوانين البشرية وتشارك في مؤامرات سياسية، مبتعدة عن ما يسميه التنظيم بـ”الشريعة الإلهية”.
ويحاول داعش من خلال هذا الخطاب إبراز نفسه كتنظيم “نقي” غير ملوث بالتسويات السياسية، في إطار صراع أيديولوجي مع فصائل إسلامية أخرى، خصوصًا في ظل الحرب الجارية في غزة.
التحذيرات والتوصيات الأمنية
حذرت لوفيغارو من تنامي الخطاب المتطرف وتزايد خطر الهجمات الفردية، خصوصاً مع اقتراب مناسبات سياسية أو رمزية داخل فرنسا. ودعت السلطات الفرنسية إلى تكثيف الرقابة على المنصات الرقمية.
وكذلك رصد المحتوى المتطرف الموجه للمراهقين والشباب، وتعزيز التنسيق الاستخباراتي الأوروبي، والحفاظ على التوازن بين حماية الأمن العام والحريات الفردية.
يعكس تصاعد خطاب داعش ضد فرنسا واستهدافه لحماس محاولات التنظيم لإعادة التموقع إعلامياً وأيديولوجياً، وسط تغيّرات سياسية وجيوسياسية في المنطقة، خاصة ما يتعلق بالصراع في غزة والاتجاهات الغربية تجاه القضية الفلسطينية. ومع استمرار التنظيم في استغلال الفضاء الرقمي لاستقطاب فئات جديدة، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومات هو تطوير آليات فعالة للوقاية من التطرف، دون المساس بمبادئ الديمقراطية.










