شهدت محاكمة الدكتور ريك مشار تينج، نائب الرئيس السابق وزعيم المعارضة في جنوب السودان، تطوراً إجرائياً غير مسبوق، إذ افتتحت المحكمة جلستها بالاعتراضات الأولية المتعلقة بالاختصاص القضائي متجاهلة خطوة توجيه التهم التقليدية (Plea-Taking). هذه السابقة أثارت جدلاً قانونياً ومخاوف حقوقية حول مشروعية المسار القضائي في واحدة من أكثر القضايا السياسية حساسية في البلاد.
سياق سياسي وأمني مضطرب
تجري المحاكمة وسط أجواء متوترة بعد اتهامات وجهتها الحكومة لمشار وعدد من قيادات المعارضة بارتكاب جرائم خطيرة تشمل الخيانة والإرهاب والقتل، على خلفية أحداث عنف بولاية أعالي النيل أسفرت – وفق بيانات رسمية – عن مقتل عشرات الجنود والمدنيين. وكانت السلطات قد وضعت مشار وعدداً من مساعديه تحت الإقامة الجبرية منذ مارس الماضي، ومنحت لجنة تحقيق صلاحية تحديد الأدلة والنظر في رفع الحصانة عنه تمهيداً لمحاكمته.
إشكالية قانونية في الإجراءات
محامون وخبراء قانونيون أكدوا أن تجاهل خطوة توجيه التهم يمثل إخلالاً جسيماً بقواعد العدالة الجنائية، حيث يترتب عليها حرمان المتهم من التعرف رسمياً على الوقائع الموجهة ضده، ومن ثم تقديم دفوعه أو اعتراضاته وفق الترتيب الإجرائي الصحيح.
أحد الناشطين الحقوقيين صرّح قائلاً: “فشل الادعاء في القيام بإجراءات توجيه التهم يعد خطأً إجرائياً قد يمثل سبباً كافياً لإبطال المحاكمة في حال الاستئناف”. وأجمع محللون قانونيون على أن هذا الخلل يعرض المحاكمة للطعن، ويثير شكوكاً بشأن احترام الضمانات الدستورية والمعايير الدولية للعدالة.
ردود فعل داخلية ودولية
الواقعة أثارت غضب قوى المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان. وقد حذرت منظمة العفو الدولية وأطراف دولية أخرى من تداعيات تجاهل الضمانات الإجرائية، داعيةً إلى محاكمة علنية وشفافة تحترم أصول العدالة.
في المقابل، دافعت الحكومة عن إجراءاتها، مؤكدة أنها التزمت بالقانون وأن الاتهامات الموجهة لمشار تشمل محاولة انقلاب وخيانة عظمى، معتبرة القضية جزءاً من جهودها لحماية الأمن القومي.
تداعيات ومخاطر
يرى مراقبون أن استمرار المحاكمة بهذه الصورة قد يفاقم الانقسامات داخل مؤسسات الحكم ويضرب مصداقية النظام القضائي في جنوب السودان، فضلاً عن تهديده المباشر لـ اتفاق السلام الهش الذي أعاد مشاركة المعارضة في العملية السياسية. وتتصاعد المخاوف من أن تدفع هذه التطورات المعارضة إلى الانسحاب من مؤسسات الدولة، ما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.










